للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥٢ - (النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأولى أن تكون "ال" في "الأموات" عهديّة، أي أموات المسلمين، جمعًا بين أحاديث النهي عن السبّ، والأحاديث المبيحة له، كما سبق.

وإشارةً إلى هذا ترجم الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بقوله: "باب ما يُنْهَى عن سبّ الأموات".

قال الزين ابن الْمُنَيِّر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لفظ الترجمة يشعر بانقسام السبّ إلى منهيّ عنه، وغير منهيّ، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السبّ مطلقًا، والجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس - رضي اللَّه عنه - السابق، حيث قال - صلى اللَّه عليه وسلم - عند ثنائهم بالخير والشرّ: "وجبت، وأنتم شهداء اللَّه في الأرض"، ولم ينكر عليهم.

ويحتمل أنّ اللام في "الأموات" عهدية، والمراد به المسلمون، لأن الكفّار مما يُتقرّب إلى اللَّه بسبّهم انتهى.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: في الكلام على حديث "وجبت": يحتمل أجوبةً: [الأول]: أن الذي كأن يُحَدَّث عنه بالشرّ كأن مستظهرّا به، فيكون من باب "لا غيبة لفاسق" (١)، أو كان منافقًا.

[ثانيها]: يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله، ليتعظ به من سمعه.

[ثالثها]: يكون النهي العامّ متأخرًا، فيكون ناسخًا. وهذا ضعيف.

وقال ابن رُشيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ما مُحَصَّله: أن السبّ ينقسم في حقّ الكفّار، وفي حقّ المسلمين، أما الكافر، فيُمنع إذا تأذّى به الحيّ المسلم، وأما المسلم، فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك، كأن يصير من قبيل الشهادة، وقد يجب في بعض المواضع، وقد يكون فيه مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور، ومات الشاهد، فإن ذكر ذلك ينفع الميت، إن علم أن ذلك المال يُردّ إلى صاحبه، قال: ولأجل الغفلة عن هذا التفصيل ظنّ بعضهم أن البخاريّ سها عن حديث الثناء بالخير والشرّ. وإنما قصد البخاريّ أن يبيّن أن ذلك الجائز كأن على معنى الشهادة، وهذا الممنوع هو على معنى


(١) - تقدّم أنه حديث ضعيف.