للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لها في الضرب بالدفّ على أصل الإباحة، لا على خصوص الوفاء بالنذر، كما تقدّم، ويُشكل عليه أن في رواية أحمد في حديث بُريدة: "إن كنتِ نذرت، فاضربي، وإلا فلا". وزعم بعضهم أن معنى قولها: "نذرتُ": حلفتُ، والإذن فيه البرّ بفعل المباح، ويؤيّد ذلك أن في آخر الحديث: "أن عمر - رضي اللَّه عنه - دخل، فتركت، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن الشيطان ليخاف منك يا عمر"، فلو كان ذلك مما يُتقرّب به ما قال ذلك. لكن هذا بعينه يُشكل على أنه مباح لكونه نسبه إلى الشيطان. ويجاب بأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - اطّلع على أن الشيطان حضر لمحبّته في سماع ذلك؛ لما يرجوه من تمكّنه من الفتنة به، فلَمّا حضر عمر فرّ منه؛ لعلمه بمبادرته إلى إنكار مثل ذلك، أو أن الشيطان لم يحضُر أصلاً، وإنما ذُكِر مثالاً لصورة ما صدر من المرأة المذكورة، وهي إنما شرعت في شيء أصله من اللهو، فلما دخل عمر - رضي اللَّه عنه - خشيت من مبادرته لكونه لم يَعلَم بخصوص النذر، أو اليمين الذي صدر منها، فشبّه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حالها بحالة الشيطان الذي يخاف من حضور عمر - رضي اللَّه عنه -، والشيء بالشيء يُذكر.

ويقرب من قصّتها قصّة القينتين اللتين كانتا تُغنّيان عند النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في يوم عيد، فأنكر أبو بكر عليهما، وقال: أبمزمور الشيطان عند النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فأعلمه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بإباحة مثل ذلك في يوم عيد. أفاده في "الفتح" (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلتُ، وإليه أنيب".

١٨ - (مَنْ حَلَفَ, فَاسْتَثْنَى)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "الاستثناء": لغة: استفعال من الثَّنْي، بمعنى العطف لأن المستثنَى معطوفٌ عليه بإخراجه من الحكم، أو بمعنى الصرف؛ لأنه مصروف عن حكم المستثنى منه. وحقيقته اصطلاحًا: الإخراج بـ"إلا"، أو إحدى أخواتها لِمَا كان داخلاً، أو كالداخل. قاله الخُضَريّ (٢).


(١) "فتح" ١٣/ ٤٤٧ - ٤٤٨.
(٢) راجع "حاشية الخضريّ على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك" في النحو ج١/ ص ٣٠٠.