للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤٩ - (الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا)

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "فتنة المحيا" -كما قَالَ الإِمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى-: هو ما يَعرِض للإنسان مدة حياته، منْ الافتتان بالدنيا، والشهوات، والجهالات، وأعظمها -والعياذ بالله- أمر الخاتمة عند الموت. وفتنة الممات: يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا عَلَى هَذَا ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وَقَدْ صح -يعني فِي حديث أسماء المتقدم فِي "الجنائز": "إنكم تفتنون فِي قبوركم، مثل أو قريبا منْ فتنة الدجال"، ولا يكون مع هَذَا الوجه متكررا مع قوله: "عذاب القبر"؛ لأن العذاب مرتب عَلَى الفتنة، والسبب غير المسبب. وقيل: أراد بفتنة المحيا الابتلاء، مع زوال الصبر، وبفتنة الممات السؤال فِي القبر، مع الحيرة، وهذا منْ العام بعد الخاص؛ لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات، وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا. وأخرج الحكيم الترمذيّ فِي "نوادر الأصول" عن سفيان الثوري: أن الميت إذا سئل منْ ربك؟ تراءى له الشيطان، فيشير إلى نفسه أني أنا ربك، فلهذا ورد سؤال التثبت له حين يسأل، ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة: "كانوا يستحبون إذا وضع الميت فِي القبر أن يقولوا: اللَّهم أعذه منْ الشيطان". ذكره فِي "الفتح" ٢/ ٥٨٤. والله تعالى أعلم بالصواب.

٥٥١٠ - (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، عُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ").

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و"سفيان": هو ابن عيينة. و"مالك": هو إمام دار الهجرة. و"أبو الزناد": هو عبد الله بن ذكوان. و"الأعرج": هو عبد الرحمن بن هرمز.

وقوله: "عوذوا بالله" فعل أمر منْ عاذ يعوذ، كقال يقول: إذا اعتصم بالله تعالى، والتجأ إليه، أي اعتصموا بالله سبحانه وتعالى منْ هذه الأشياء، حَتَّى يعصمكم منها،

والحديث متَّفقٌ عليه بنحوه، وتقدّم فِي "الجنائز" ١١٥/ ٢٠٦٠ ومضى شرحه، وبيان مسائله هناك، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو