قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: المناسبة بين هَذَا الكتاب والذي قبله أن منْ جملة الأشربة الخمر، وهي أم الخبائث، ومنبع الشرور، وأكثر استعاذات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كانت منْ أنواع الشرور.
و"الأشربة" -بفتح الهمزة، وكسر الراء-: جمع شراب، وهو ما يُشرب منْ المائعات، وشَرِبته شَرْبًا بالفتح، والاسم الشُّرْبُ بالضمّ، وقيل: هما لغتان، والفاعل شاربٌ، والجمع شاربون، وشَرْبُ، مثلُ صاحب وصَحْب، ويجوز شَرَبَةُ، مثلُ كافر وكَفَرَة. قَالَ السَّرَقُسْطِيّ: ولا يُقال فِي الطائر: شَرِبَ الماء، ولكن يقال: حَسَاه، وَقَالَ ابن فارس فِي مُتَخَيَّرِ الألفاظ: الْعَبُّ شرب الماء منْ غير مصّ. وَقَالَ فِي "البارع": قَالَ الأصمعيّ: يقال فِي الحافر كلِّه، وفي الظِّلْف: جَرَعَ الماءَ يَجْرَعه، وهذا كلهُ يدلّ عَلَى أن الشرب مخصوصٌ بالمصّ حقيقةً، ولكنه يُطلق عَلَى غيره مجازًا. قاله الفيّومىّ. والله تعالى أعلم بالصواب.
١ - (بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه:"الخمر" -بفتح الخاء المعجمة، وسكون الميم، آخره راء-: مأخوذة منْ خمر إذا ستر، ومنه خمار المرأة، وكل شيء غَطَّى شيئاً فقد خمره، ومنه:"خَمِّرُوا آنيتكم"، فالخمر تخمر العقل: أي تغطيه وتستره، ومن ذلك الشجر الملتف، يقال له: الْخَمَر -بفتح الميم- لأنه يُغَطِّي ما تحته ويستره، يقال منه: أخمرتِ الأرضُ كَثُر خمرها، قَالَ الشاعر [منْ الوافر]:
ومنه قولهم: دخل فِي غُمار النَّاس وخُمارهم: أي هو فِي مكان خاف. فلما كانت الخمر تستر العقل، وتغطيه سميت بذلك.، وقيل: إنما سميت الخمرُ خمرا لأنها تُرِكت حَتَّى أَدركت، كما يقال: قد اختمر العجين: أي بلغ إدراكه، وخُمِر الرأيُ: أي تُرِك حَتَّى يتبين فيه الوجه. وقيل: إنما سميت الخمر خمرا؛ لأنها تخالط العقل، منْ المخامرة، وهي المخالطة، ومنه قولهم: دخلت فِي خُمار النَّاس: أي اختلطت بهم،