قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: المراد بيان حكم بيع ما يُشترى منْ الطعام بدون كيل قبل نقله منْ مكانه، وهو المنع؛ فـ"بيع" مضاف إلى "ما يُشترى" منْ إضافة المصدر إلى مفعوله، و"يُشترى" مبنيٌّ للمفعول، وكذا قوله:"يُنقل".
وقوله:"جِزافًا": قَالَ المجد: "الْجِزَاف"، و"الْجِزَافَةُ" -مثلّثتين، و"الْمُجَازفة": الْحَدْسُ فِي البيع والشراء، مُعَرَّبُ "كزاف"، وبيعٌ جزافٌ مثلّثةً، وجَزِيفٌ، كأمير. انتهى "قاموس". وَقَالَ ابن الأثير:"الْجَزْفُ" و"الجزاف": المجهول القدر، مكيلاً كَانَ، أو موزونًا. انتهى "النهاية" ١/ ٢٦٩. وَقَالَ الفيّوميّ:"الجزاف": بيع الشيء، لا يُعلم كيله، ولا وزنه، وهو اسم منْ جازف مُجازفةً، منْ باب قاتل، والْجُزاف بالضمّ خارجٌ عن القياس، وهو فارسيّ قريب "كُزاف"، ومن ثمّ قيل: أصل الكلمة دَخِيلٌ فِي العربيّة. قَالَ ابن القطّاع: جَزَف فِي الكيل جَزْفًا: أكثر منه، ومنه الجِزاف، والمجازفة فِي البيع، وهو المساهلة، والكلمة دَخِيلة فِي العربيّة، ويؤيّده قول ابن فارس" الْجَزْفُ: الأخذُ بكثرة، كلمة فارسيّةٌ، ويقال لمن يُرسل كلامه إرسالاً منْ غير قانون: جازف فِي كلامه، فأُقيم نَهْجُ الصواب مُقام الكيل، والوزن. انتهى.
وَقَدْ ترجم الإِمام البخاريّ رحمه الله فِي "صحيحه" بقوله: "باب منْ رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حَتَّى يؤويه إلى رحله، والأدب فِي ذلك": قَالَ فِي "الفتح" ٥/ ٨٤ - : أي تعزير منْ يبيعه قبل أن يؤويه إلى رحله، ذكر فيه حديث ابن عمر فِي ذلك -يعني المذكور فِي الباب- وهو ظاهر فيما ترجم له، وبه قَالَ الجمهور، لكنهم لم يخصوه بالجزاف، ولا قيدوه بالإيواء إلى الرحال، أما الأول، فلما ثبت منْ النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، فدخل فيه المكيل، وورد التنصيص عَلَى المكيل منْ وجه آخر