قَالَ الحافظ: والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر؛ لأن الإِمام أحمد، قد رواه عنه عَلَى الصواب، وكذلك أخرجه البخاريّ هنا، عن محمد بن بشار، وفي "الزكاة" عن مسدد، وكذا أخرجه الإسماعيلي، منْ طريق يعقوب الدَّوْرقي، وحفص بن عمر، وكلهم عن يحيى، وكأن أبا حامد لَمّا رأى عبد الرحمن، قد تابع زهيرا، ترجح عنده أن الوهم منْ يحيى، وهو محتمل بأن يكون منه لَمّا حدث به هذين خاصة، مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه.
وَقَدْ تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد؛ لأن المخرج مُتّحد، ولم يختلف فيه عَلَى عبيد الله بن عمر، شيخ يحيى فيه، ولا عَلَى شيخه خبيب، ولا عَلَى مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه.
وأما استدلال عياض عَلَى أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله فِي رواية مالك: مثل عبيد الله، فقد عكسه غيره، فواخذ مسلما بقوله: مثل عبيد الله؛ لكونهما ليستا متساويتين، والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل عَلَى المساوى فِي جميع اللفظ والترتيب، بل هو فِي المعظم، إذا تساويا فِي المعنى، والمعنى المقصود منْ هَذَا الموضع، إنما هو إخفاء الصدقة. والله أعلم. انتهى "فتح" ٢/ ٣٦٥. "كتاب الأذان" وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
٣ - (الإِصَابَةُ فِي الْحُكْمِ)
أي باب ذكر الْحَدِيث الدّالّ عَلَى فضل الإصابة فِي الحكم.
و"الحكم" -بضمّ، فسكون: القضاء، وأصله: المنع، يقال: حكمتُ عليه بكذا: إذا منعته منْ خلافه، فلم يَقدِر عَلَى الخروج منْ ذلك، وحكمتُ بين القوم: فصلت بينهم، فأنا حاكمن، وحَكَم -بفتحتين-، والجمع: حُكّام، وحُكّامون. أفاده فِي "المصباح".
وَقَالَ فِي "الفتح" ١٥/ ٣: الحكم الشرعيّ عند الأصوليين: خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء، أو التخيير، ومادّة الحكم منْ الإِحكام، وهو الإتقان للشيء، ومنعه منْ العيب. انتهى.