عنه - هذا يدلّ على أنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - مختصّ بقتل من أغضبه، ومعلوم أن من سبه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - يُغضبه؛ لأن ذلك يعود إلى الطعن في رسالته، وذلك كفر باللَّه تعالى؛ لكونه اتهامًا في عصمته إياه مما يوجب سبّه، وعيبه.
(ومنها): أن غيره - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - من الولاة ونحوهم، ليس له أن يقتُل من أغضبه، وإن بلغ به الغضب ما بلغ؛ لأن سبّه لا يبلغ الطعن في اللَّه تعالى، كما كان في شأن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، وإنما لهم القتل فيما شرع اللَّه تعالى لهم به، كما في حديث:"لا يحلّ دم امرئ مسلم، إلا بإحدى ثلاث" كما سبق في كلام الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى-.
(ومنها): ما كان عليه أبو بكر - رضي اللَّه تعالى عنه - من التحمّل والعفو فيمن اعتدى عليه. (ومنها): ما كان عليه أبو برزة - رضي اللَّه تعالى عنه - من طاعة أبي بكر - رضي اللَّه تعالى عنه -، وحبّه له، حيث غضب لغضبه، وطلب منه أن يؤدّب الذي أساء إليه الأدب، وينكل به، حتى لا يجتريء عليه أحد بعده. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وجه الاختلاف المذكور أن أبا معاوية رواه عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي برْزَة، وخالفه يعلى بن عُبيد، فرواه عن الأعمش، عن أبي الْبَخْتَريّ، عن أبي برزة، وتابعه عليه أبو عوانة.
والذي يظهر لي أن هذا الاختلاف، لا يضرّ؛ لإمكان حمله على أن الأعمش رواه عن كلّ من سالم بن أبي الجعد، وأبي البَخْتَريّ.
وكان الأصل ترجيح رواية أبي معاوية على رواية يعلى وأبي عوانة؛ لأنه هو المقدّم من أصحاب الأعمش في الأعمش بعد سفيان الثوريّ، لكن اتفاقهما يقوّي حفظهما للحديث، فيكون الحديث ثابتًا بالطريقين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.