"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
١٦ - (الاسْتِعَاذَةُ مِنَ الْفَقْرِ)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قَالَ الطيبيّ رحمه الله تعالى: أصل الفقر كسر فقار الظهر، ويستعمل الفقر عَلَى أربعة أوجه:[الأول]: وجود الحاجة الضروريّة، وذلك عامّ للإنسان ما دام فِي الدنيا، بل عامّ فِي الموجودات كلّها، وعليه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}[فاطر: ١٥]. [والثاني]: عدم المقتنيات، وهو المذكور فِي قوله تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[البقرة: ٢٧٣]. وقوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}[التوبة: ٦٠]. [والثالث]: فقر النفس، وهو المقابل بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولكن الغني غنى النفس". [والرابع]: الفقر إلى الله تعالى المعني فِي قوله تعالى حكايه عن موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}[القصص: ٢٤]، قَالَ: والمستعاذ منه هو القسم الثالث، وإنما استعاذ منْ الفقر الذي هو فقر النفس، لا قلة المال. انتهى ببعض تصرّف.
واعترضه ابن حجر الهيتميّ بأنه لا فرق بين الأول والرابع، وتعقبه القاري بما فيه نظر، انظر فِي "المرقاة" ٥/ ٣٢٢ - ٣٢٣.
ونقل فِي "المرقاة" أيضًا ٥/ ٣٢٣: عن القاض عياض أنه قَالَ: وَقَدْ تكون استعاذته -صلى الله عليه وسلم- منْ فقد المال، والمراد الفتنة منْ عدم احتماله، وقلة الرضا به، ولذا قَالَ:"وفتنة الفقر"، ولم يقل: الفقر، كيف وَقَدْ صحّت أحاديث كثيرة فِي فضل الفقر. انتهى. وقوله: ولم يقل: "الفقر": أي فِي غير هَذَا الْحَدِيث. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب.