للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣٢ - (استِئْمَارُ الأَبِ البِكْرَ فِي نَفْسِهَا)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الظاهر أن المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- أراد بهذه الترجمة الردّ على من أعلّ زيادة لفظة "أبوها"، كأبي داود، والبيهقيّ، فكأنه يقول: إنها زيادة ثقة مقبولة، تفيد وجوب استئمار الأب بنته البكر، خلافًا لمن نفى ذلك، وهذا الذي أشار إليه هو الحقّ، فيجب على الأب الاسئذان كغيره من الأولياء؛ لصحّة الحديث في ذلك، وأما ما قيل: إنهم أجمعوا على أن الأب يزوّج ابنته الصغير إجبارًا، فذاك محمول على الصغيرة التي لا تمييز لها.

وقد ترجم الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- بقوله: [باب لا يُنكح الأبُ وغيره البكرَ، ولا الثيّب، إلا برضاهما]

فقال في "الفتح": في هذه الترجمة أربع صور: تزويج الأب البكر، وتزويج الأب الثيّب، وتزويج غير الأب البكر، وتزويج غير الأب الثيّب. وإذا اعتُبرت الكبر والصغر زادت الصور، فالثيّب البالغ لا يزوّجها الأب، ولا غيره إلا برضاها، اتفاقًا، إلا من شذّ، كما تقدّم. والبكر الصغيرة يزوّجها أبوها اتفاقًا إلا من شذّ، كما تقدّم. والثيّب غير البالغ اختُلف فيها، فقال مالك، وأبو حنيفة: يزوّجها أبوها كما يزوّج البكر. وقال الشافعيّ، وأبو يوسف، ومحمدٌ: لا يزوّجها، إذا زالت البكارة بالوطء، لا بغيره، والعلّة عندهم أن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر. والبكر البالغ يزوّجها أبوها، وكذا غيره من الأولياء، واختُلف في استئمارها. والحديث دالّ على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت. وحكاه الترمذيّ عن أكثر أهل العلم. قال: وقد ألحق الشافعيّ الجدّ بالأب. وقال أبو حنيفة، والأوزاعيّ في الثيّب الصغيرة: يزوّجها كلّ وليّ، فإذا بلغت ثبت لها الخيار. وقال أحمد: إذا بلغت تسعًا جاز للأولياء غير الأب إنكاحها، وكأنه أقام المَظِنّةَ مقام المَئِنة. وعن مالك يلتحق بالأب في ذلك وصيّ الأب، دون بقيّة الأولياء؛ لأنه أقامه مقامه.

قال: ثم إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوَّجة بكرًا كانت، أو ثيّبًا، صغيرةً كانت، أو كبيرةٌ، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، ولكن تُستثنى الصغيرة من حيث المعنى؛ لأنها لا عبارة لها انتهى (١).


(١) "فتح" ١٠/ ٢٤ - ٢٤١.