قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي اختاره الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في الترجمة المذكورة، والمصنّف -رحمه اللَّه تعالى- في هذه الترجمة، وكذا في بقيّة التراجم، من إطلاق وجوب الاستئذان على الأب، وغيره، في البكر وغيرها هو الحقّ؛ لصحّة الأحاديث في ذلك، كما تقدّم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
٣٢٦٥ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ, عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ, عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا, وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا, وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "محمد بن منصور": هو الْجّوّاز الثقة المكيّ، من أفراد المصنّف. والباقون كلهم رجال الصحيح. و"سفيان": هو ابن عيينة.
وقوله: "يستأمرها أبوها": قال القرطبيّ: هذه الزيادة من رواية ابن أبي عمر -يعني شيخ مسلم- قال أبو داود: ليست بمحفوظة. وعلى تقدير صحّة هذه الزيادة فمحملها على الاستحباب، لا على الإيجاب، بدليل الإجماع المنعقد على أن للأب إنكاح ابنته الصغيرة، وإجبارها عليه بغير إذنها، وكذلك السيّد في أمته. وقد أبدى بعض أصحابنا لاستئذان الأب لابنته فائدةً، وهي تطييب قلبها، واستعلام حالها، فقد تكون موصوفةً بما يَخفى على الأب مما يمنع النكاح، فإذا استأذنها أعلمته انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تقدّم أن هذه الزيادة محفوظة، فإن الذي زادها هو الإمام المشهور بالحفظ والإتقان: سفيان بن عيينة، فزيادته مقبولة، ولا تنافي بينها وبين الروايات السابقة: "البكر تُستأمر"؛ لأن قوله: "تُستأمر" بالبناء للمفعول، أي يُطلب منها الإذن، فيدخل في ذلك الأب.
وأما قوله: "فمحمول على الاستحباب" ففيه نظرٌ، بل الصواب أن الأمر هنا للوجوب، لا للاستحباب.
وأما دعواه الإجماع، فإن صحّ، فيُحمل على الصغيرة التي لا تعقل ما هو النكاح؟، وما هو الغرض منه؟، وهو محمل تزويج أبي بكر عائشة - رضي اللَّه تعالى عنهما -، وأما التي لها تمييز في شأن النكاح، وغيره من مصالحها، فلا بدّ من استئذانها، مطلقًا، سواء كان الوليّ أبًا، أو غيره، فتبصّر، ولا تتحيّر.
والحديث صحيح، وقد سبق شرحه مستوفىً، وكذا البحث عن مسائله في الباب الماضي، فراجعه، تستفد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب.
…
(١) "المفهم" ٤/ ١١٨.