وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ونَهْيُ أبان بن عثمان للسائل أن يكحل عينيه ليس على إطلاقه، وكأنه إنما نهاه عن أن يكحلها بما فيه طيب، وتضميد العين هو: لطخها، والصبر ليس بطيب. ولا خلاف في جواز مثل هذا مما ليس فيه طيب، ولا زينة، فلو اكتحل المحرم، أو المحرمة بما فيه طيب افتديا. وكذلك المرأة إذا اكتحلت للزينة، وإن لم يكن فيه طيب، فلو اكتحل الرجل للزينة، فأباحه قوم، وكرهه آخرون، وهم: أحمد، وإسحاق، والثوريّ. وعلى القول بالمنع، فهل تجب الفدية، أم لا؟ قولان، وبالثاني قال الشافعيّ، رجلاً كان، أو امرأة. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد، وإسحاق، من منع الكحل للمحرم، إلا لمرض أصابه، كالرَّمَد، ونحوه، فيكتحل بما ليس فيه طيب، كأن يضمده بالصبر، ونحوه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أُنيب".
…
٤٦ - (الْكَرَاهِيَةُ فِي الثِّيَابِ الْمُصَبغَةِ لِلْمُحْرِمِ)
أي هذا باب ذكر الحديث الدّالّ على كراهية لبس الثياب المصبغة للمحرم.
و"المصبغة": بضم الميم، وتشديد الموحّدة، اسم مفعول من التصبيغ، يقال: صبغ الثوب يصبغه، من باب منع، وضرب، ونصر صِبْغًا، وصِبَغًا، كعِنَب: إذا لوّنه. والتضعيف للمبالغة، ويحتمل أن يكون بضم الميم، وتخفيف الموحّدة، اسم مفعول من الإصباغ، كالإسباغ وزنًا، ومعنًى، يقال: أَصْبَغَ اللَّهُ النعمةَ: أسبغها. أفاده في "القاموس". واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
٢٧١٢ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ, عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي, قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرًا, فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ, لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ, وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً, فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ, فَلْيُحْلِلْ, وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً».
وَقَدِمَ عَلِيٌّ - رضي اللَّه عنه -, مِنَ الْيَمَنِ بِهَدْيٍ, وَسَاقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ هَدْيًا, وَإِذَا
(١) - "المفهم" ٣/ ٢٩٠.