وأنه يتجلّى فيهما لأهل الجنة عمومًا، يشارك الرجال فيها النِّساء. فهذه الأيام أعياد للمؤمنين فِي الدنيا، وفي الآخرة عمومًا. وأما خواص المؤمنين فكل يوم لهم عيد، كما قَالَ بعض العارفين، وروي عن الحرم (١) كل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد. ولهذا روي أن خواصّ أهل الجنة يزورون ربهم، وينظرون إليه كلّ يوم مرتين بكرةً وعشيًّا، وَقَدْ خرّجه الترمذيّ منْ حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، مرفوعًا، وموقوفًا. ولهذا المعنى والله أعلم- لَمّا ذكر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الرؤية فِي حديث جرير بن عبد الله البجليّ -رضي الله عنه-، كما رواه الشيخان، أمر عقب ذلك بالمحافظة عَلَى الصلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، فإن هذين الوقتين وقت لرؤية خواصّ أهل الجنة ربّهم، فمن حافظ عَلَى هاتين الصلاتين عَلَى مواقيتهما، وأدائهما، وخشوعهما، وحضور القلب فيهما رُجي له أن يكون ممن ينظر إلى الله تعالى فِي الجنة فِي وقتهما.
فتبيّن بهذا أن الأعياد تتعلّق بإكمال أركان الإسلام، فالأعياد الثلاثة المجتمع عليها تتعلّق بإكمال الصلاة، والصيام، والحجّ، فأما الزكاة، فليس لها زمان معيّنٌ، تُكمل فيه، وأما الشهادتان، فإكمالهما، هو الاجتهاد فِي الصدق فيهما، وتحقيقهما، والقيام بحقوقهما، وخواصّ المؤمنين يجتهدون عَلَى ذلك كل يوم ووقت، فلهذا كانت أيامهم كلها أعيادًا، ولذلك كانت أعيادهم فِي الجنة مستمرّة. والله تعالى أعلم. انتهى كلام ابن رَجَب رحمه الله تعالى فِي "شرح البخاريّ" ١/ ١٧٣ - ١٧٧. وهو تحقيق نفيس، وبحث أنيس.
والحديث متَّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم فِي "كتاب الحجّ" ١٩٤/ ٣٠٠٢ ومضى تمام شرحه، وبيان مسائله هناك، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، واليه أنيب".