للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والسرور بتمام نعمته، وكمال رحمته، كما قَالَ تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} الآية [يونس: ٥٨]، فشرع لهم عيدين فِي سنة، وعيدًا فِي كلّ أسبوع، فأما عيدا السنة، فأحدهما: تمام صيامهم الذي افترضه عليهم كلَّ عام، فإذا أَتَمُّوا صيامهم أعتقهم منْ النار، فشرع لهم عيدًا بعد إكمال صيامهم، وجعله يوم الجوائز، يرجعون فيه منْ خروجهم إلى صلاتهم، وصدقتهم بالمغفرة، وتكون صدقة الفطر، وصلاة العيد شكرًا لذلك.

والعيد الثاني: أكبر العيدين عند تمام حجّهم، بإدراك حجهم بالوقوف بعرفة، وهو يوم العتق منْ النار، ولا يحصل العتق منْ النار، والمغفرة للذنوب والأوزار فِي يوم منْ أيام السنة أكثر منه، فجعل الله عقب ذلك عيدًا، بل هو العيد الأكبر، فيُكْمِل أهلُ الموسم فيه مناسكهم، ويقضون تفثهم، ويوفون نذورهم، ويطوفون بالبيت العتيق، ويشاركهم أهل الأمصار فِي هَذَا العيد؛ فإنهم يشاركونهم فِي يوم عرفة فِي العتق والمغفرة، وإن لم يُشاركونهم فِي الوقوف بعرفة؛ لأن الحجّ فريضة العمر، لا فريضة كلّ عام، بخلاف الصيام، ويكون الشكر فيه عند أهل الأمصار الصلاة، والنحر، والنحر أفضل منْ الصدقة التي فِي يوم الفطر، ولهذا أمر الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يشكر نعمته بإعطائه الكوثر بالصلاة له، والنحر، كما شرع ذلك لإبراهيم خليله -عليه السلام- عند أمره بذبح ولده، وافتدائه بذبح عظيم.

وأما عيد الأسبوع، فهو يوم الجمعة، وهو متعلّقٌ بإكمال فريضة الصلاة، فإن الله فرض عَلَى عباده المسلمين الصلاة كلّ يوم وليلة خمس مرّات، فإذا كملت أيام الأسبوع التي تدور الدنيا عليها، وأكملوا صلاتهم فيها شرع لهم يوم إكمالها، وهو اليوم الذي انتهى فيه الخلق، وفيه خُلق آدم، وأُدخل الجنة عيدًا، يجتمعون فيه عَلَى صلاة الجمعة، وشرع لهم الخطبة، تذكيرًا بنعم الله عليهم، محثًا لهم عَلَى شكرها، وجعل شهود الجمعة بأدائها كفّارة لذنوب الجمعة كلها، وزيادة ثلاثة أيام. وَقَدْ رُوي أن يوم الجمعة أفضل منْ يوم الفطر، ويوم النحر. خرّجه الإمام أحمد فِي "مسنده" ٣/ ٤٣٠ منْ حديث أبي لبابة -رضي الله عنه-. وقاله مجاهد، وغيره. ورُوي أنه حج المساكين، ورُوي عن عليّ -رضي الله عنه- أنه يوم نسك المسلمين. قَالَ ابن المسيّب: الجمعة أحبّ إليّ منْ حج التطوّع.

وجعل الله التبكير إلى الجمعة كالهدي، فالمبكر فِي أول ساعة كالمهدي بدنةً، ثم كالمهدي بقرةً، ثم كالمهدي كبشًا، ثم كالمهدي دجاجةً، ثم كالمهدي بيضةً.

ويوم الجمعة يوم المزيد فِي الجنة الذي يزور أهل الجنة فيه ربهم، ويتجلّى لهم فِي قدر صلاة الجمعة. وكذلك رُوي فِي يوم العيدين أن أهل الجنة يزورون ربهم فيهما،