كتب الأستاذ عبد الصمد شرف الدين مصحح السنن الكبرى في مقدمة تصحيحه كلاما نفيسا يتعلق بهذا الكتاب، أحببت إيراد خلاصته لنفاسته:
قال: لقد اختلف أقوال الناس في السنن الكبري اختلافا يتجاوز حد المعقول، واتبعوا فيها الظن وخرصوا حتى أصبحت كأسطورة لها، وذلك على ما يظهر لندرة نسخها أو لعدم اطلاعهم عليها، ولهذا اضطربت آراؤهم في حقيقة الفرق بينها وبين ما هو المجتبى منها.
فأما الآن وقد حضرت أمامنا بحمد الله وتوفيقه هذه النسخة منها، بل حضر معها نسخة المجتبى يمكننا المعرفة التامة بها، والمقابلة الفاصلة بينها وبين الصغرى.
فمنهم من يظن أن أحاديث السنن الكبرى ليست كلها صحيحة، وأن فيها ما هو معلول كما راجت تلك الرواية الركيكة الحاكية بأن مؤلفها لما صنفها أهداها لبعض الأمراء فسأله أكل ما فيها صحيح؟ فقال: لا، فقال: جَرِّدْ لي منها الصحيح، فعمل له المجتبى وكفى بها كذبا وزورا أنها رواية لا إسناد لها. وكيف يتسنَّى لهؤلاء الظانين بهذا الإمام الفذّ هذا الظن، وقد ذكر الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بإسناده إلى أبي عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن محبوب الرملي (ت ٣٥٧) بمكة يقول: سمعت أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي يقول: لما عزمت على جمع كتاب السنن "وهي الكبرى" استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء فوقعت الخيرة على تركهم، فنزلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيه عنهم اهـ.