للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وموضع الاستدلال منه قولها: "لا نرى إلا الحج"، ووجهه أنهم كانوا معتقدين إفراد الحجّ، ثم قال لهم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من شاء أن يهُلّ بحج، فليهلّ به"، فأباح لهم الإهلال بالحجّ المفرد، إن أرادوا ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أُنيب"

٤٩ - (الْقِرَانُ)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -:، "القران" -بكسر القاف، وتخفيف الراء-: لغةً الجمع، يقال: قَرَن بين الحجّ والعمرة، من باب قتل، وفي لغة من باب ضرب: إذا جمع بينهما في الإحرام، والاسم القِرَان -بالكسر-، كأنه مأخوذ من قرَنَ الشخصُ للسائل: إذا جمع له بعيرين في قِرَانِ، وهو الحَبْلُ، والقَرَنُ لغة فيه. أفاده الفيّوميّ.

قال في "الفتح": وصورته الإهلال بالحجّ والعمرة معًا، وهذا لا خلاف في جوازه، أو الإهلال بالعمرة، ثم يدخل عليها الحجّ، أو عكسه. وهذا مختلف فيه انتهى (١).

وقال المحبّ الطبريّ -رحمه اللَّه تعالى-: للقران ثلاث صور: [الأولى]: أن يُهلّ بهما جميعًا، وعليه دلّ ظواهر الأحاديث [الثانية]: أن يُهلّ بالعمرة، ثم يُخل عليها الحجّ قبل الطواف، وعليه دلّ حديث ابن عبّاس، وابن عمر، وعائشة، وحفصة - رضي اللَّه عنهم -. [الثالثة]: عكسه، وفيه قولان للشافعيّ: أحدهما: لا يجوز، وبه قال مالك، وهو الأصحّ. والثاني: يجوز، وبه قال أبو حنيفة. والأول أصحّ، ويؤيده ما روي عن عليّ أنه سأله أبو نضرة، فقال: قد أهللت بالحجّ، فهل أستطيع أن أُضيف إليه عمرة؟ قال: لا، ذاك لو كنت بدأت بالعمرة. وبأن أفعال العمرة استُحقّت بالإحرام بالحجّ، فلم يبق في إدخالها فائدة، بخلاف العكس انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي رجحه المحبّ الطبريّ من عدم جواز إدخال العمرة على الحجّ فيه نظر لا يخفى، بل الصواب جوازه؛ لما صحّ أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بدأ بالحجّ، ثم أدخل عليه العمرة، وأما الاحتجاج بأثر عليّ - رضي اللَّه عنه -، فإنه احتجاج بالموقوف في معارضة المرفوع، وكذا الذي ذكره بعده، فإنه احتجاج بالقياس في مقابلة


(١) - "فتح" ٤/ ٢٠٩.
(٢) - راجع "المرعاة" ٨/ ٤٥٩.