المسترسل: الذي لا يحسن أن يُماكِس، وفي لفظ: الذي لا يماكس، فكأنه استرسل إلى البائع، فأخذ ما أعطاه، منْ غير مماسكة، ولا معرفة بغبنه، فأما العالم بذلك، والذي لو توقف لعرف، إذا استعجل فِي الحال، فغُبِن فلا خيار لهما. ولا تحديد للغبن فِي المنصوص عن أحمد، وحَدَّه أبو بكر فِي "التنبيه"، وابن أبي موسى فِي "الإرشاد" بالثلث، وهو قول مالك؛ لأن الثلث كثير، بدليل قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "والثلث كثير"، وقيل: بالسدس، وقيل: ما لا يتغابن النَّاس به فِي العادة؛ لأن ما لا يَرِدُ الشرع بتحديده، يُرجَع فيه إلى العرف. انتهى كلام ابن قدامة.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه أحمد رحمه الله تعالى منْ إثبات الخيار فِي الغبن للمسترسل هو الظاهر؛ لأن الشارع أثبت الخيار فِي مواضع كثيرة، منْ مواضع الغرر، مثل تلقّي الركبان، والمصرّاة، والنجش، وغيرها، فدلّ ذلك عَلَى أن ما كَانَ بمعناها مثلها فِي الحكم، وهو الغبن. والله تعالى أعلم.
(ومنها): مشروعيّة الحجر عَلَى السفيه، قَالَ الإِمام الترمذيّ رحمه الله تعالى بعد أن أخرج الْحَدِيث: والعمل عَلَى هَذَا الْحَدِيث عند بعض أهل العلم، وقالوا: الحجر عَلَى الرجل الحرّ فِي البيع والشراء، إذا كَانَ ضعيف العقل، وهو قول أحمد، وإسحاق، ولم ير بعضهم أن يُحجر عَلَى الحرّ البالغ. انتهى. وحجة الأولين هَذَا الْحَدِيث، ووجهه أن أهل ذلك الرجل لما طلبوا منه -صلى الله عليه وسلم- الحجر عليه، لم ينكر عليهم، بل منعه منْ البيع، إلا أنه لمّا رأى أنه لا يترك ذلك، عَلَّمَهُ أن يقول:"لا خلابة". واحتجّ المانعون أيضاً بهذا الْحَدِيث، ووجهه أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحجر عليه، فلو كَانَ الحجر جائزًا لحجر عليه. وتُعقّب بأنه حجر عليه، لكنه لما رأى أنه لا ينفع الحجر فيه، لكونه لا يترك البيع علّمه ما يرفع عنه الضرر، إن لحقه، كما مرّ آنفًا، والحاصل أن دلالة الْحَدِيث عَلَى ما قاله الأولون واضحة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
١٣ - (الْمُحَفَّلَةُ)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه:"الْمُحَفَّلَةُ" بتشديد الفاء: اسم مفعول، منْ التحفيل: يقال: حَفَل اللبن وغيرُهُ، منْ باب ضرب، حَفْلاً،، وحُفُولاً: إذا اجتمع، وحفّلتُ الشاةَ