للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هَذَا شيء منْ الصدقة، رأيتك أنت وأصحابك أحق النَّاس به، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "كلوا، ولم يأكل"، ثم أتاه ثانية بتمر، فَقَالَ: رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذا شيء أهديته لك، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "بسم الله"، وأكل، ولم يُنقل قبول، ولا أمر بإيجاب، وإنما سأل ليَعلَم هل هو صدقة، أو هدية؟، وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب، ولا قبول، وليس إلا المعاطاة، والتفرقُ عن تراض يدل عَلَى صحته، ولو كَانَ الإيجاب والقبول شرطا فِي هذه العقود، لشق ذلك، ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة، وأكثر أموالهم محرمة، ولأن الإيجاب والقبول، إنما يرادان للدلالة عَلَى التراضىِ، فإذا وُجد ما يدل عليه، منْ المساومة، والتعاطي، قام مقامهما، وأجزأ عنهما؛ لعدم التعبد فيه. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله تعالى.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي حققه العلّامة ابن قُدامة، منْ عدم اشتراط الإيجاب والقبول فِي العقود، كالبيع، والهبة، والصدقة، ونحوها؛ لعدم ثبوته عن الشارع الحكيم هو الحقّ، فتبصّر، ولا تتحيّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

١ - (بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْكَسْبِ)

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "الحثّ" -بفتح الحاء المهملة-: مصدر حَثَثته، يقال: حَثَثتُ الإنسان عَلَى الشيء حَثًا، منْ باب نصر: إذا حَرَّضتَه، وذهب حثيثًا: أي مُسرعًا، وحَثَثتُ الفرسَ عَلَى الْعَدْوِ: صِحْتُ به، أو وَكَزْته برِجْل، أو ضربٍ، واستحثثته كذلك. قاله الفيّوميّ.

و"الكسب" -بفتح، فسكون-: مصدر كَسَب، يقال: كسبتُ مالاً كسبًا، منْ باب ضرب: إذا ربِحته، واكتسبته كذلك، وكسب لأهله، واكتسب: طلب المعيشة، وكسب الإثمَ، واكتسبه: تحمّله، ويتعدّى بنفسه إلى مفعول ثان، فيقال: كسبتُ زيدًا مالاً، وعلمًا: أي أنلته. قَالَ ثعلب: وكلُّهم يقول: كَسَبَك فلانٌ خيرًا، إلا ابن الأعرابيّ، فإنه يقول: أكسبك بالألف، واستكسبتُ العبدَ: جعلته يكتسب، وأصل السين للطلب، ويكون بمعنى فَعَلْتُ، مثلُ استخرجته، بمعنى أخرجته. قاله الفيّوميّ. والله تعالى أعلم بالصواب.

٤٤٥١ - (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ