كان رحمه الله تعالى سالكا مسلك أهل الحديث عقيدة ومذهبا غير مقلد لأحد، كسائر أئمة الحديث، ويتبين ذلك في كتابه هذا، وسننبه عليه إذا مر بنا ذلك إن شاء الله تعالى، كما حققه العلامة المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي، بل أئمة الحديث من أصحاب الأصول وغيرهم ليسوا مقلدين لأحد إلا من شاء الله من المتأخرين بل هم مجتهدون، ومتبعون للدليل، خلافَ ما يُثيره بعض الناس بأن فلانا شافعي، وفلانا حنبلي من غير تحقيق لذلك، بل بالظن والتخمين، ومَنْ تَتَبَّعَ عملهم في كتبهم يظهر له خلاف ما قاله هذا المثير، فمجرد موافقة أقوالهم في بعض المواضع لبعض أهل المذاهب لا يدل على التقليد، بل ذلك من اتفاق الآراء لاتفاق الدليل، وكذا كون بعضهم أخذ عن بعض المجتهدين، أو تلاميذهم، أو تلاميذ تلاميذهم، لا يدل على ذلك، كما أن الشافعي مثلا أخذ عن مالك رحمهما الله تعالى ولا يقتضي كونه مالكيا، وأحمد أخذ عن الشافعي رحمهما الله تعالى، ولا يقتضي ذلك كونه شافعيا، فكذا نقول ها هنا، من غير فرق. والله أعلم.
ولنرجع إلى المقصود: كان رحمه الله تعالى على مذهب أهل السنة والجماعة من إثبات صفات الله تعالى، كما وردت، وأن القرآن كلام الله تعالى، غير مخلوق.
قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمَّد بن أبي العوام السعدي: حدثنا أحمد بن شعيب النسائي، أخبرنا إسحاق بن راهويه، حدثنا محمد بن أعين، قال: قلت لابن المبارك: إن فلانا يقول: من زعم أن قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي}[طه: آية ١٤] مخلوق فهو كافر، فقال ابن المبارك: صدق، قال النسائي: بهذا أقول.