بعدم الجواز إلا بلفظ النكاح، أو التزويج، فلعلّه أراد هنا جواز النكاح بلا صداق، فيكون مؤكدًا للباب الماضي. واللَّه تعالى أعلم.
وقد ترجم الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" بقوله: [باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد؟].
قال في "الفتح": أي فيحلّ له نكاحها بذلك، وهذا يتناول صورتين: إحداهما مجرّد الهبة، من غير ذكر مهر. والثاني: العقد بلفظ الهبة. فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح، وأجازه الحنفيّة، والأوزاعيّ، ولكن قالوا: يجب مهر المثل، وقال الأوزاعيّ: إن تزوّج بلفظ الهبة، وشرط أن لا مهر لم يصحّ النكاح.
وحجة الجمهور قوله تعالى: {خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، فعدَّوا ذلك من خصائصه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأنه يتزوّج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال، ولا في المآل.
وأجاب المجيزون عن ذلك بأن المراد أن الواهبة تختصّ به، لا مطلق الهبة.
والصورة الثانية: ذهب الشافعيّة، وطائفة إلى أن النكاح لا يصحّ إلا بلفظ النكاح، أو التزويج؛ لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث. وذهب الأكثر إلى أنه يصحّ بالكنايات. واحتجّ الطحاويّ لهم بالقياس على الطلاق، فإنه يجوز بصرائحه، وكناياته مع القصد انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تقدّم ترجيح مذهب الأكثرين القائلين بالجواز بأدلّته في - ٤١/ ٣٢٨١ - فارجع إليه تزدد علمًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
٧٠ - (بابُ إِحْلالِ الْفَرْجِ)
٣٣٦١ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, عَنْ أَبِي بِشْرٍ, عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ, عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ, عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ, عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فِي الرَّجُلِ يَأْتِي جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ, قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ جَلَدْتُهُ مِائَةً, وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ رَجَمْتُهُ).
(١) "فتح" ١٠/ ٢٠٥.