"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
١٠٥ - (الشَّرِكَةُ بِغَيْرِ مَالٍ)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه:"الشركة" بفتح الشين المعجمة، وكسر الراء، وبكسر أوله، وسكون الراء، وَقَدْ تُحذف الهاء، وَقَدْ يُفتح أوّله مع ذلك، فتلك أربع لغات، وهي شرعًا: ما يَحدُث بالاختيار بين اثنين، فصاعدًا منْ الاختلاط لتحصيل الربح، وَقَدْ تحصل بغير قصد، كالإرث. قاله فِي "الفتح" ٥/ ٤٢٥.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى -أعني الشركة بغير مال- يسمّى عند الفقهاء شركة الأبدان، وهو -كما قَالَ فِي "المغني"-: أن يشترك اثنان، أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم، كالصُّنَّاعِ، يشتركون عَلَى أن يعملوا فِي صناعاتهم، فما رزق الله تعالى فهو بينهم.
وَقَدْ اختلف أهل العلم فِي جواز شركة الأبدان، فجوّزها أحمد، ومالك، فِي المباح، والصنائع، وجوّزها أبو حنيفة فِي الصنائع فقط، وأبطلها الشافعيّ مطلقًا، قَالَ فِي "المغني": فإن اشتركوا فيما يكتسبون منْ المباح، كالحطب، والحشيش، والثمار المأخوذة منْ الجبال، والمعادن، والتلصص عَلَى دار الحرب، فهذا جائز، نص عليه أحمد فِي رواية أبي طالب، فَقَالَ: لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم، وليس لهم مال، مثل الصيادين، والنقالين، والحمالين، قد أشرك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بين عمار، وسعد، وابن مسعود -رضي الله عنهم-، فجاء سعد بأسيرين، ولم يجيئا بشيء.
وفسر أحمد صفة الشركة فِي الغنيمة، فَقَالَ: يشتركان فيما يصيبان، منْ سَلَب المقتول؛ لأن القاتل يختص به، منْ دون الغانمين، وبهذا قَالَ مالك. وَقَالَ أبو حنيفة: يصح فِي الصناعة، ولا يصح فِي اكتساب المباح، كالاحتشاش، والاغتنام؛ لأن الشركة مقتضاها الوكالة، ولا تصح الوكالة فِي هذه الأشياء؛ لأن منْ أخذها ملكها. وَقَالَ الشافعيّ: شركة الأبدان كلها فاسدة؛ لأنها شركة عَلَى غير مال، فلم تصح، كما لو اختلفت الصناعات.
واحتجّ الأولون بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المذكور فِي الباب، قالوا: ومثل هَذَا لا يخفى عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وَقَدْ أقرهم عليه، وَقَالَ أحمد: أشرك بينهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.