قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: المراد بالشرط هنا الشرط الصحيح، بدليل قوله فِي الترجمة التالية:"البيع يكون فيه الشرط الفاسد، فيصحّ البيع، ويبطل الشرط، فمعنى كلامه هنا: أن البيع إذا شُرط فيه شرط صحيح، مثل اشتراط الرهن، أو الضمين، أو مثل ركوب الدابّة إلى مسافة معلومة، كما وقع لجابر -رضي الله عنه-، صحّ البيع، ولزم الشرط معًا، وهكذا جزم رحمه الله تعالى بصحة البيع والشرط معًا، مع أن المسألة فيها خلاف؛ لرجحان دليله عنده، ونحوه صنيع الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، حيث قَالَ: "بابٌ إذا اشترط البائع ظهر الدابة، إلى مكان مسمى جاز": قَالَ فِي "الفتح": هكذا جزم بهذا الحكم لصحة دليله عنده، وهو مما اختُلِف فيه، وفيما يشبهه، كاشتراط سكنى الدار، وخدمة العبد، فذهب الجمهور إلى بطلان البيع؛ لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد، وَقَالَ الأوزاعي، وابن شبرمة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وطائفة، يصح البيع، ويتنزل فيه الشرط منزلة الاستثناء؛ لأن المشروط إذا كَانَ قدره معلوما، صار كما لو باعه بألف إلا خمسين درهما مثلا، ووافقهم مالك فِي الزمن اليسير، دون الكثير، وقيل: حده عنده ثلاثة أيام، وحجتهم حديث الباب، وَقَدْ رجح البخاريّ فيه الاشتراط، كما سيأتي آخر كلامه.
وأجاب عنه الجمهور، بأن ألفاظه أختلفت، فمنهم: منْ ذكر فيه الشرط، ومنهم منْ ذكر فيه ما يدل عليه، ومنهم منْ ذكر ما يدل عَلَى أنه كَانَ بطريق الهبة، وهي واقعة عين، يطرُقها الاحتمال، وَقَدْ عارضه حديث عائشة، فِي قصة بريرة، ففيه بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد، كما تقدم بسطه فِي آخر العتق، وصح منْ حديث جابر أيضا: النهي عن بيع الثنيا، أخرجه أصحاب "السنن"، وإسناده صحيح، وورد النهي عن بيع وشرط. وأجيب بأن الذي ينافي مقصود البيع، ما إذا اشترط مثلا فِي بيع الجارية أن لا يطأها، وفي الدار أن لا يسكنها، وفي العبد أن لا يستخدمه، وفي الدابة أن لا يركبها، أما إذا اشترط شيئا معلوما لوقت معلوم، فلا بأس به. وأما حديث النهي عن الثنيا، ففي نفس الْحَدِيث "إلا أن تعلم"، فعُلم أن المراد أن النهي إنما وقع عما كَانَ مجهولا. وأما حديث النهي عن بيع وشرط، ففي إسناده مقال، وهو قابل للتأويل، وسيأتي مزيد بسط لذلك فِي آخر الكلام عَلَى هَذَا الْحَدِيث إن شاء الله تعالى. انتهى ما فِي "الفتح" ٥/ ٦٥٧.