فِي ضرع الشاة المبيعة، والحمل فِي بطنها، والصوف عَلَى ظهرها، وأشباه ذلك، فإنه مبيع، ويُحتَمَل فيه الجهالة وغيرها؛ لما ذكرنا، وَقَدْ قيل: إن المال ليس بمبيع هاهنا، وإنما استبقاء المشتري عَلَى ملك العبد، لا يزول عنه إلى البائع، وهو قريب منْ الأول. انتهى "المغني" ٦/ ٢٥٧ - ٢٥٨. وهو بحث نفيسٌ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): فِي اختلاف أهل العلم، هل يملك العبد المال، أم لا؟:
ذهب عامّة أهل العلم، إلى أنه لا يملك شيئا، إذا لم يُمَلِّكه سيده، وَقَالَ أهل الظاهر: يملك؛ لدخوله فِي عموم قوله تعالى:{خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} الآية [البقرة: ٢٩]، وقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "منْ باع عبدا, وله مال"، فأضاف المال إليه بلام التمليك.
واحتجّ الأولون بقوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} الآية [النحل: ٧٥]، ولأن سيده يَملِك عينه ومنافعه، فما حصل بذلك يجب أن يكون لسيده كبهيمته، قَالَ الموفّق: فأما إن ملكه سيده شيئا، ففيه روايتان:
[إحداهما]: لا يملكه، وهو ظاهر قول الخرقي، فإنه قَالَ: والسيد يُزَكّي عما فِي يد عبده؛ لأنه ملكه، وَقَالَ: والعبد لا يرث، ولا مال له، فيورث عنه، وهو اختيار أبي بكر، وقولُ أبي حنيفة، والثوري، وإسحاق، والشافعي فِي الجديد؛ لأنه مملوك، فلم يملك كالبهيمة. [والثانية]: يملك، قَالَ الموفّق: وهي أصح عندي، وهو قول مالك، والشافعي فِي القديم؛ للآية، والخبر، ولأنه آدمي حيّ، فملك كالحر، ولأنه يملك فِي النكاح، فملك فِي المال كالحر، ولأنه يصح الإقرار له، فأشبه الحر، وما ذكروه تعليل بالمانع، ولا يثبت اعتباره، إلا أن يوجد المقتضي فِي الأصل، ولم يوجد فِي البهيمة ما يقتضي ثبوت الملك لها، وإنما انتفى ملكها لعدم المقتضي له، لا لكونها مملوكة، وكونها مملوكة عديم الأثر، فإن سائر البهائم التي ليست مملوكة، منْ الصيود والوحوش، لا تملك، وكذلك الجمادات، وإذا بطل كون ما ذكروه مانعا، وَقَدْ تحقق المقتضي، لزم ثبوت حكمه. والله أعلم. انتهى كلام الموفّق رحمه الله تعالى، "المغني" ٦/ ٢٥٩ - ٢٦٠. وهو تحقيقٌ حسنٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".