الحمد لله الذي رفع أهل العلم درجات، وخص من بينهم أهل الحديث فَرَقَّاهم إلى أسمى الغايات، أكْرمْ بهم قوما صاروا مَنَار الهدى لأهل العنايات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي نشر على رؤوس أهل العلم راية قوله تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران: آية ١٨]، فيالها مَنقَبَةً تعلو المنقبَات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي نَوَّهَ بشرف أهل الحديث حيث قال:"نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه .. " الحديث (١). فيا فَوزَهم ما أعلاه بين الهبات، صلى الله عليه وسلم، صلاة وسلاماً دائمين ما دام صحيحُ دينه مَرفوع الرايات، وعلى آله الذين اقتفوا أثره فيما دَقَّ وجَلَّ فحسنت أحوالهم بذلك ونالوا الحسنى والزيادات، وعلى أصحابه الذين هم الرعيل الأول فيما تسلل من الأسانيد العاليات للأخبار الغاليات، وعلى من اهتدى بهديهم من ذوي العنايات، ولا سيما أهْلُ الحديث الذين بذلوا أنفسهم في طلبه وأرخصوا الغالي في نيله، فيا فوزهم بالدرجات العاليات.
أما بعد: فيقول أفقر الورى إلى عفو الله تعالى محمَّد ابن الشيخ علي ابن آدم الإتيوبي:
لما رأيت سنن الإِمام الحافظ الحجة أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي رحمه الله تعالى، المسماة بالمجتبى- بالباء أو المجتنى -بالنون- لم يقع لها شرح يَحُلّ ألفاظها حَقَّ حَلّ، ويبين معانيها أتمَّ تبيين، ويتكلم على رجال أسانيدها وغوامض متونها، ويستنبط منها الأحكام، إذ تحت كل حديث خبايا أسرار، وضمن كل أثر خفايا أنوار، وكيف لا؛ وهو
(١) أخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بسند صحيح.