قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وجه الاختلاف المذكور أن عبد الرحمن بن مهديّ روى الحديث عن سفيان الثوريّ، عن واصل بن حيّان، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -، فخالفه يحيى القطّان، فرواه عن سفيان، عن واصل، عن أبي وائل، عن ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -، فأسقط عمرو ابن شُرحبيل بين أبي وائل، وابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -. والمشهور في رواية واصل إسقاط الواسطة، فطريق يحيى هي الراجحة، كما يرشد إليه صنيع المصنّف، حيث إنه يأتي غالبًا بالأسانيد التي فيها الخطأ، أوّلًا، ثم يُتبعها بالأسانيد الصحيحة، كما صنع هنا، فإنه قدّم رواية ابن مهديّ التي فيها الخطأ، ثم أتى برواية يحيى الصحيحة.
والحاصل أن سفيان الثوريّ -رحمه اللَّه تعالى- يروي هذا الحديث عن ثلاثة أنفس: أما اثنان، فأدخلا فيه بين أبي وائل، وابن مسعود عمرو بن شُرَحْبيل، وهما منصور، والأعمش، وأما الثالث، فأسقطه، وهو واصل، وقد رواه ابن مهديّ، عن سفيان، عن واصل، عن عمرو، فعُدّ غلطًا، والصواب إسقاط عمرو من رواية واصل، كما فعل يحيى القطّان في روايته التالية.
والحديث صحيح بالطريقين، فقد أخرج الشيخان معًا طريق منصور والأعمش، بإثبات الواسطة، وأخرج البخاريّ وحده طريق واصل، بإسقاطها.
وقد أشار البخاريّ في "صحيحه" إلى هذا الاختلاف الذي أشار إليه المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، فقال البخاريّ في "كتاب الحدود":
حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى، حدثنا سفيان، قال: حدثني منصور، وسليمان، عن أبي وائل، عن أبي مَيْسَرة، عن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنه -، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أيُّ الذنب أعظم؟ قال:"أن تجعل للَّه نِدًّا، وهو خلقك"، قلت: ثم أيّ؟، قال:"أن تقتل ولدك، من أجل أن يطعم معك"، قلت: ثم أيّ؟ قال:"أن تزاني حليلةَ جارك".