قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: هكذا ذكره البخاريّ، عن عمرو بن علي، قدم رواية يحيى على رواية عبد الرحمن، وعقبها بالفاء. وقال الهيثم بن خلف، فيما أخرجه الإسماعيليّ عنه: عن عمرو بن علي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، فساق روايته، وحذف ذكر واصل من السند، ثم قال: وقال عبد الرحمن مرة: عن سفيان عن منصور والأعمش وواصل، فقلت لعبد الرحمن: حدثنا يحيى بن سعيد، فذكره، فقال عبد الرحمن: دعه.
والحاصل أن الثوريّ حدث بهذا الحديث عن ثلاثة أنفس، حدثوه به عن أبي وائل، فأما الأعمش ومنصور، فأَدْخلا بين أبي وائل وبين ابن مسعود أبا ميسرة، وأما واصل فحذفه، فضبطه يحيى القطّان عن سفيان هكذا مفصلا، وأما عبد الرحمن فحدث به أولا بغير تفصيل، فحمل رواية واصل على رواية منصور والأعمش، فجمع الثلاثة، وأدخل أبا ميسرة في السند، فلما ذَكر له عمرو بن عليّ أن يحيى فصله، كأنه تردد فيه، فاقتصر على التحديث به عن سفيان عن منصور والأعمش حسب، وترك طريق واصل، وهذا معنى قوله: فقال: دعه دعه: أي اتركه، والضمير للطريق التي اختلف فيها، وهي رواية واصل. وقد زاد الهيثم بن خلف في روايته بعد قوله: دعه، فلم يذكر فيه واصلا بعد ذلك، فعُرف أن معنى قوله: دعه: أي اترك السند الذي ليس فيه ذكر أبي ميسرة.
وقال الكرماني: حاصله أن أبا وائل، وإن كان قد رَوَى كثيرا عن عبد اللَّه، فان هذا الحديث لم يروه عنه، قال: وليس المراد بذلك الطعن عليه، لكن ظهر له ترجيح الرواية بإسقاط الواسطة لموافقة الأكثرين.
قال الحافظ: كذا قال، والذي يظهر ما قدمته أنه تركه من أجل التردد فيه؛ لأن ذكر أبي ميسرة، إن كان في أصل رواية واصل، فتحديثه به بدونه، يستلزم أنه طعن فيه بالتدليس، أو بقلة الضبط، وإن لم يكن في روايته في الأصل، فيكون زاد في السند ما لم يسمعه، فاكتفى برواية الحديث عمن لا تردد عنده فيه، وسكت عن غيره، وقد كان عبد الرحمن حدث به مرّة، عن سفيان، عن واصل وحده بزيادة أبي ميسرة، كذلك