ولاية، وما ذكروه غير صحيح، فإن حكمه لازم للخصمين، فكيف يكون موقوفا، ولو كَانَ كذلك لملك فسخه، وإن لم يخالف رأيه، ولا نسلم الوقوف فِي العقود.
إذا ثبت هَذَا فإن لكل واحد منْ الخصمين الرجوع عن تحكيمه، قبل شروعه فِي الحكم؛ لأنه لا يثبت إلا برضاه، فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف، وإن رجع بعد شروعه ففيه وجهان:[أحدهما]: له ذلك؛ لأن الحكم لما لم يتم أشبه ما قبل الشروع. [والثاني]: ليس له ذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى منْ الحكم ما لا يوافقه رجع، فبطل المقصود به.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الثاني هو الأظهر عندي؛ لوضوح حجته. والله تعالى أعلم.
قَالَ ابن قدامة: قَالَ القاضي: وينفذ حكم منْ حَكّماه فِي جميع الأحكام، إلا أربعة أشياء: النكاح، واللعان، والقذف، والقصاص؛ لأن لهذه الأحكام مزية عَلَى غيرها، فاختص الإِمام بالنظر فيها، ونائبه يقوم مقامه، وَقَالَ أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد أنه ينفذ حكمه فيها, ولأصحاب الشافعيّ وجهان كهذين. انتهى "المغني" ١٤/ ٩٢ - ٩٣.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بنفوذ حكمه مطلقًا هو الذي يترجّح عندي؛ لإطلاق حديث أبي شريح -رضي الله عنه- المذكور فِي الباب؛ فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يستفسره حين ذكر له التحكيم مطلقًا, ولم يقيّد له حين استحسن فعله، فدلّ عَلَى جواز حكمه مطلقًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".