(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم من تكلّم بكلام منافٍ لمعنى الطلاق، وقصد به الطلاق لا يقع، كمن قال لامرأته: كلي، وقصد به طلاقها لا تطلق؛ لأن الأكل لا يصلح أن يُفسّر به الطلاق بوجه من الوجوه، كما أن مذممًا لا يُمكن أن يفسّر بمحمد - صلى اللَّه عليه وسلم - بوجه من الوجوه. وسيأتي مزيد بسط في ذلك في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): ما قاله ابن التين -رحمه اللَّه تعالى-: استدلّ به من أسقط حدّ القذف بالتعريض، وهم الأكثرون؛ خلافًا لمالك. وأجاب بأنه لم يقع في الحديث أنه لا شيء عليهم في ذلك، بل الواقع أنهم عوقبوا على ذلك بالقتل وغيره انتهى. قال في "الفتح": والتحقيق أنه لا حجة في ذلك إثباتًا، ولا نفيًا انتهى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قال العلاّمة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: فأما ما لا يُشبه الطلاق، ولا يدلّ على الفراق، كقوله: اقعدي، وقومي، وكلي، واشربي، واقرُبي، وأطعميني، واسقيني، وبارك اللَّه عليك، وغفر اللَّه لك، وما أحسنك، وأشباه ذلك، فليس بكناية، ولا تطلّق به، وإن نوى؛ لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق، فلو وقع الطلاق به، لوقع بمجرّد النيّة، وقد ذكرنا أنه لا يقع بها، وبهذا قال أبو حنيفة، واختلف أصحاب الشافعيّ في قوله: كلي، واشربي، فقال بعضهم كقولنا، وقال بعضهم: هو كناية؛ لأنه يحتمل: كلي ألم الطلاق، واشربي كأس الفراق، فوقع به. انتهى كلام ابن قدامة باختصار (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بعدم وقوع الطلاق بمثل هذه الكنايات هو الحقّ، كما استنبطه المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- من حديث الباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أُنيب".
…
٢٦ - (بَابُ التَّوْقِيتِ فِي الْخِيَارِ)
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الظاهر أن المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- أراد أن الخيار لا توقيت فيه، فإذا خيّرها تختار متى شاءت، فلا يتقيّد بالمجلس، وبهذا قال الحسن البصريّ، والزهريّ، وغيرهما، واختاره ابن المنذر؛ لقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لعائشة - رضي اللَّه