للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣٨ - (هَلْ تَدْخُلُ الْأَرْضُونَ فِي الْمَالِ إِذَا نَذَرَ)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ترجم الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" بقوله: "باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض، والغنم، والزرع، والأمتعة". قال في "الفتح": قال ابن عبد البرّ، وتبعه جماعة: المال في لغة دَوْس قبيلةِ أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - غير العين، كالعروض، والثياب. وعند جماعة: المال هو العين، كالذهب، والفضّة. والمعروف من كلام العرب أن كلّ ما يُتموّل، ويُملك فهو مال، وأشار البخاريّ في الترجمة إلى رجحان ذلك بما ذكره من الأحاديث، كقول عمر - رضي اللَّه عنه -: "أصبت أرضًا لم اصب مالاً أنفس منه"، وقول أبي طلحة - رضي اللَّه عنه -: "أحبّ أموالي إليّ بيرحاء"، وقول أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "لم نغنَم ذهبًا, ولا ورِقًا"، ويؤيّده قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥]، فإنه يتناول كلّ ما يملكه الإنسان. وأما قول أهل اللغة: العرب لا توقع اسم المال عند الإطلاق إلا على الإبل؛ لشرفها عندهم، فلا يدفع إطلاقهم المال على غير الإبل، فقد أطلقوها أيضًا على غير الإبل من المواشي. ووقع في "السيرة": "فسلك في الأموال" -يعني الحائط، "ونهى عن إضاعة المال"، وهو يتناول كلّ ما يُتموّل. وقيل: المراد به هنا الأرقّاء. وقيل: الحيوان كلّه. وفي الحديث أيضًا: "ما جاءك من الرزق، وأنت غير مُشرف، فخذه، وتموّله"، وهو يتناول كلّ ما يُتموّل، والأحاديث الثلاثة مخرجة في "الصحيحين"، و"الموطّإ". وحُكي عن ثعلب: المال كلّ ما تجب فيه الزكاة، قَلَّ، أو كَثُر، فما نقص عن ذلك، فليس بمال. وبه جزم الأنباريّ. وقال غيره: المال في الأصل العين، ثم أُطلق على كلّ ما يتملّك. انتهى (١).

وقد تقدّم في الباب الماضي بيان اختلاف السلف فيمن حلف، أو نذر أن يتصدّق بماله على عشرة أقوال، فمنهم من قال: كأبي حنيفة: لا يقع نذره إلا على ما فيه الزكاة، ومنهم من قال: كمالك: يتناول جميع ما يقع عليه اسم مال. قال ابن بطّال: وأحاديث الباب تشهد لقول مالك، ومن تابعه.

وغرض المصنّف كالبخاريّ -رحمهما اللَّه تعالى- بهذه الترجمة الردّ على من قال: إذا حلف، أو نذر أن يتصدّق بماله كلّه اختصّ ذلك بما فيه الزكاة، دون سائر ما يملكه،


(١) "فتح" ١٣/ ٤٥٣. "كتاب الإيمان والنذور" رقم الحديث ٦٧٠٧.