قال الزين ابن المنيّر -رحمه اللَّه تعالى- عند قوله:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا": الأولى أن يكون منصوبًا على الحال، بأن يكون المصدر في معنى اسم الفاعل، أي مؤمنا محتسبًا، والمراد بالإيمان الاعتقاد لحقّ فرضية صومه، والاحتساب طلب الثواب من اللَّه. وقال الخطّابيّ:"احتسابًا": أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبة نفسه بذلك، غير مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه انتهى (١). وسيأتي مزيد بسط لهذا البحث قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وجه الاختلاف المذكور أن سعيد بن أبي هلال رواه عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مرسلاً، وخالفه جمهور الرواة، فرووه متصلا، إما بذكر عائشة - رضي اللَّه عنها -، أو بذكر أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، فرواه إسحاق بن راشد، ويونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة في رواية عن الأخيرين، ثلاثتهم عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة - رضي اللَّه عنها -. ورواه يونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة في رواية عنهما، وصالح بن كيسان، ومعمر، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، ستتهم عن الزهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، ورواه مالك، في رواية ابن القاسم عنه، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - وفي رواية جويرية، عنه عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وحميد بن عبد الرحمن، كلاهما عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -.
قلت: وهذا الاختلاف لا يضرّ بصحة الحديث؛ إلا الروإية الأولى فإنها مرسلة، وأما البواقي، فتحمل على أن الزهريّ له في هذا الحديث ثلاثة من الشيوخ: عروة، وأبو سلمة، وحميد بن عبد الرحمن، كما سيتّضح ذلك فيما أخرجه المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى بالطرق المختلفة هنا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.