للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢٦ - (كَمْ يَتْرُكُ الْخَارِصُ)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "الخارص": اسم فاعل من "الْخَرْصِ" -بفتح المعجمة، وحكي كسرها، وبسكون الراء، بعدها مهملة-: وهو حَزْرُ ما على النخل من الرُّطَب تمرًا. وحكى الترمذيّ عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب، والعنب، مما تجب فيه الزكاة بعث السلطان خارصًا ينظر، فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبًا، وكذا وكذا تمرًا، فيُحصيه، وينظر مبلغ العشر، فيثبته عليهم، ويخلِّي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر انتهى.

وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها، والبيع من زهوها، وإيثار الأهل والجيران والفقراء؛ لأن في منعهم تضييقًا لا يخفى.

وقال الخطّابيّ: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان يُفعل تخويفًا للمزارعين؛ لئلا يخونوا، لا ليلزم به الحكم؛ لأنه تخمين وغُرور، أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار.

وتعقّبه الخطّابيّ بأن تحريم الربا والميسر متقدّم، والخرص عُمِل به في حياة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - حتى مات، ثم أبو بكر، وعمر، فمن بعدهم، ولم يُنقل عن أحد منهم، ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبيّ. قال: وأما قولهم: إنه تخمين وغُرور، فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر، وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير.

وحكى أبو عُبيد عن قوم منهم أنّ الخرص كان خاصًّا بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لأنه كان يُوفَّق من الصواب ما لا يوفّق له غيره. وتعقّبه بأنه لا يلزم من كون غيره لا يُسدّد لما كان يُسدّد له سواه أن تثبت بذلك الخصوصيّة، ولو كان المرء لا يجب عليه الاتباع إلا فيما يعلم أنه يسدّد فيه كتسديد الأنبياء لسقط الاتباع.

وتردّ هذه الحجّة أيضًا بإرسال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - الخرّاص في زمانه. واللَّه تعالى أعلم.

واعتلّ الطحاويّ بأنه يجوز أن يحصل للثمرة آفةٌ فتتلفها، فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذًا بدلاً مما لم يَسلَم له.

وأجيب بأن القائلين به لا يضمّنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص. قال ابن المنذر: أجمع من يُحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جاثحة قبل الجذاذ فلا ضمان. ذكره فى "الفتح" (١). وسيأتي تمام البحث في ذلك في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.


(١) - "فتح" ج ٤ ص ١٠٨ - ١٠٩.