وللعينة صورة رابعة، وهي أخت صورها، وهي أن يكون عند الرجل المتاع، فلا يبيعه إلا نسيئة، ونصّ أحمد عَلَى كراهة ذلك، فَقَالَ: العينة أن يكون عنده المتاع، فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس. وَقَالَ أيضًا: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة، فلا يبيع بنقد. قَالَ ابن عقيل: إنما كره ذلك لمضارعته الربا، فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة غالبًا. وعللَّه شيخنا ابن تيميّة رحمه الله بأنه يدخل فِي بيع المضطرّ، فإن غالب منْ يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذّر النقد عليه، فإذا كَانَ الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كَانَ ربحه عَلَى أهل الضرورة والحاجة، وإذا باع بنقد ونسيئة، كَانَ تاجرًا منْ التجّار.
وللعينة صورة خامسة، وهي أقبح صورها، وأشدّها تحريمًا، وهي أن المترابيين يتواطآن عَلَى الربا، ثم يعمدان إلى رجل عنده متاع، فيشتريه منه المحتاج، ثم يبيعه للمرابي بثمن حالّ، ويقبضه منه، ثم يبيعه إياه للمرابي بثمن مؤجّل، وهو ما اتّفقا عليه، ثم يُعيد المتاع إلى ربّه، ويعطيه شيئًا، وهذه تسمّى الثلاثيّة؛ لأنها بين ثلاثة، وإذا كانت السلعة بينهما خاصّة فهي الثنائيّة، وفي الثلاثية قد أدخلا بينهما محلّلاً يزعمان أنه يحلّل لهما ما حرّم الله منْ الربا، وهو كمحلّل النكاح، فهذا محلّل الربا، وذلك محلّل الفروج، والله تعالى لا تخفى عليه خافية، بل يعلم خائنة الأعين، وما تُخفي الصدور. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله تعالى بطوله منْ "تهذيب السنن" ٥/ ٩٩ - ١٠٩. وهو بحث نفيسٌ مفيد جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه:"الثّنيا" بالضمّ، والقصر، قَالَ الفيّوميّ:"والثُّنْيَا" بضم الثاء، مع الياء، و"الثَّنْوَى" بالفتح، مع الواو: اسم منْ الاستثناء، وفي الْحَدِيث:"منْ استثنى فله ثُنْياه": أي ما استثناه. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب.