للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يحيى بن سُليم الطائفيّ، يحدّث عن سفيان بن عيينة أن محمد بن إبراهيم -يعني الهاشميّ- كان واليا على مكة، بعث إلى سفيان الثوريّ مائتي دينار، فأبى أن يقبلها، فقلت له: يا أبا عبد اللَّه كأنك لا تراها حلالًا، قال: بلى، ولكنّي أكره أن أَذِلّ.

وكان سفيان الثوريّ يقول: جوائز السلطان أحبّ إليّ من صلة الإخوان؛ لأنهم لا يمنّون، والإخوان يمنّون، وكان يحتجّ بقول ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنه -: لك الْمَهْنَى، وعليه المَأْثَمُ. وأخرج بسنده عن أبي الخلاّل، قال: سألت عثمان بن عفّان عن جائزة السلطان؟ قال: لحم ظبي ذكيّ. قال: وروينا عن الحسن بن أبي الحسن، من وجوه أنه كان يقول: لا يَرُدّ جوَائزهم إلا أحمق، أو مُرَاءٍ.

قال: وقال الليث: إن لم يكن له مال سوى الخمر، فليكفّ عنه. قال: وأكره طعام العمّال من جهة الورع، من غير تحريم. وقال القاسم بن محمد: لو كانت الدنيا كلها حرامًا لما كان بدّ من العيش فيها.

وقال مالك: فكلّ مَن عَمِل للسلطان عملًا، فله رزقه من بيت المال، قال: فلا بأس بالجائزة يُجاز بها الرجل، يراه الإمام بجائزته أهلًا لعلم، أو دينِ عليه، ونحو ذلك.

قال أبو عمر: ما أعلم أحدًا لم يقبل جوائز السلطان من علماء التابعين إلا سعيد بن المسيّب، وابن سيرين. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- بتصرّف (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أُنيب".

٩٣ - (مَسْأَلَةُ الرَّجُلِ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ)

٢٦٠٠ - (أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ, قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ, عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ, عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ, عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «الْمَسْأَلَةُ كَدٌّ, يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ, إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا, أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث صحيح، وقد تقدّم شرحه، والكلام


(١) - راجع "التمهيد" ج ١٨ ص ١١٤ - ١١٩. و"الاستذكار" ج ٢٨ ص ٤١٨ - ٣٢٠.