في الأمر الذي لا بدّ منه، كأن يتحمّل حمالة، أو يستدين دَينًا في واجب، أو مباح (ومنها): ذم السؤال، وأنه شَينٌ في الشخص، يَجرَح به عرضه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في سؤال السلطان، وقبول جائزته:
قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-بعد أن أخرج الحديث-: ما نصّه: هذا حديث صحيح ثابت، وهو أصلٌ عند العلماء في سؤال السلطان خاصّة، وقبول جوائزه، وأَعطِيَتِهِ على كلّ حال، ما لم يعلمه حرامًا بعينه. وعمومُ هذا الحديث يقتضي كلّ سلطان، لم يخصّ من السلاطين صفة دون صفة، وقد كان يعلم كثيرًا مما يكون بعده، ألا ترى إلى قوله:"سيكون بعدي أمراء يؤخّرون الصلاة عن ميقاتها … " الحديث. فما لم يُعلَم الحرامُ عندهم بصفته جاز قبوله.
ثم أخرج بسنده عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - كان يقبل جوائز الأمراء. وروى الأعمش وغيره، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: رأيت هدايا المختار تأتي ابن عبّاس، وابن عمر، فيقبلانها.
قال أبو عمر: قَبِل جوائزَ الأمراء جمهورُ العلماء، منهم: عامرٌ الشعبيّ، والحسن البصريّ، وإبراهيم النخعيّ، وابن شهاب الزهريّ، والقاسم بن مُخيمِرَة، والحسن بن محمد ابن الحنفيّة، وثابتٌ البنانيّ، ويزيد الرَّقَاشيّ، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، ومالك بن أنس، وسفيان الثوريّ، وابن عُيينة، والأوزاعيّ، وسعيد بن عبد العزيز، والشافعيّ، وأبو يوسف، ومحمد، وكان يحيى بن سعيد الأنصاريّ في ديوان الوليد، وكان جماعة من العلماء كانوا في ديوان بني أميّة، وبني العباس في العطاء. وذكر الحسن الحلواني في "كتاب المعرفة"، قال: حدثنا ابن عمير، قال: حدثنا ضمرة، عن أبي جميلة، قال: ذكر الوليد بن هشام لعمر بن عبد العزيز القاسمَ بن مُخيمِرة، قال: فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له عمر: سل حاجتك، قال: يا أمير المؤمنين قد علمتَ ما جاء في المسألة، قال: ليس أنا ذاك، إنما أنا قاسم، فسل حاجتك، قال: يا أمير المؤمنين أخدمني، قال: قد أمرنا لك بخادم، فخذها من عند الوليد بن هشام.
قال: وحدثنا عليّ بن حفص، قال: حدثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن منصور، قال: خرج إبراهيم النخعيّ، وتميم بن سلمة إلى عامل حلوان، فأعطاهما، قال: ففضّل تميمًا على إبراهيم، فوجد إبراهيم من ذلك في نفسه.
وذكر ابن أبي حاتم حديث أحمد بن منصور الرماديّ، عن القعنبيّ، قال: سمعت