قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: المراد بالمهاجر هنا هو الحاضر، المقابل للباد، لا خصوص المهاجر الذي خرج منْ بلده إلى بلد آخر، وإنما ذكره بلفظ المهاجر؛ نظرًا إلى واقع أهل المدينة فِي ذلك الوقت، وذلك لأن المهاجرين هم الذين كانوا يشتغلون بالتجارة فِي ذلك الوقت، وأما الأنصار فكانوا أهل زرع، ليس لهم علاقةٌ بالتجارة، كما بيّن ذلك أبو هريرة -رضي الله عنه-، فيما أخرجه الشيخان منْ طريق الأعرج، عنه، قَالَ:"إن النَّاس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان فِي كتاب الله، ما حدثت حديثا، ثم يتلو:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {الرَّحِيمِ}، إن إخواننا منْ المهاجرين، كَانَ يشغلهم الصَّفْقُ بالأسواق، وإن إخواننا منْ الأنصار، كَانَ يشغلهم العمل فِي أموالهم، وإن أبا هريرة، كَانَ يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون".
والمراد بالأعرابيّ: هنا هو الباد، والأعرابيّ فِي الأصل واحد الأعراب، قَالَ الفيّوميّ رحمه الله تعالى: وأما الأعراب بالفتح: فأهل البدو منْ العرب، الواحد أعرابيّ بالفتح أيضًا، وهو الذي يكون صاحب نُجْعَة، وارتياد للكلإ، وزاد الأزهريّ، فَقَالَ: سواء كَانَ منْ العرب، أو منْ مواليهم، قَالَ: فمن نزل البادية، وجاور العبادتين، وظَعَنَ بظَعْنهم، فهم أعرابٌ، ومن نزل بلاد الريف، واستوطن المدن، والقرى العربيّة، وغيرها ممن ينتمي إلى العرب، فهم عَرَبٌ، وإن لم يكونوا فصحاء، ويقال: سُمُّوا عربًا؛ لأن البلاد التي سكنوها تُسمّى العرَبَات، ويقال: العرب العاربة: هم الذين تكلّموا بلسان يَعْرُب بن قَحْطان، وهو اللسان القديم، والعرب المستعربة: هم الذين تكلّموا بلسان إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وهي لغات الحجاز، وما والاها. انتهى. وتقدّم هَذَا غير مرّة، وإنما أعدته تذكيرًا، حيث طال به العهد. والله تعالى أعلم بالصواب.