أي هذا باب ذكر الحديث الدال على حكم ما فضل من الجنب من الماء في الإناء، والفضل بمعنى الباقي: يقال: فَضَل فضلا من باب قتل: بقي، وفيه لغة من باب تَعِبَ، وفيه أيضا فضل بالكسر يَفضُلُ بالضم، ولكن ليست هذه بالأصل، ولكنها على تداخل اللغتين، ونظيره في السالم نَعم يَنعُمُ ونَكلَ يَنكُلُ، وفي المعتل دِمت تَدُوم، ومتَّ تَمُوتُ. أفاده في المصباح.
والجنب: يطلق على الذكر، والأنثى، والمفرد، والتثنية، والجمع، وربما طابق على قلة، فيقال: أجناب وجُنُبُون ونساء جُنُبَات، والفعل جَنُب وزان قرب، وأجنب أيضا أفاده في المصباح.
وأراد المصنف رحمه الله: بفضل الجنب ما يبقى في الإناء بعد الاغتراف منه فهو طاهر، يجوز استعماله، له ولغيره؛ لأن الحديث يدل على أن عائشة كانت تغتسل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يغترفان من الإناء الواحد، تارة تسبق هي، وتارة يسبق هو، كما هو في بعض الروايات الآتية في كتاب الغسل: قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، يبادرني، وأبادره، حتى يقول: دعي لي، وأقول أنا: دع لي".
فدل الحديث على أن ما بقى من الماء طاهر سواء كان خلال الاغتسال، أو بعده، وأراد بذلك أن النهي الوارد عن ذلك محمول على التنزيه، كما يرشد إليه قوله في كتاب الغسل بعد ذكر باب النهي عن الاغتسال بفضل الجنب "باب الرخصة في ذلك".
والفرق بين الباب المتقدم، وبين هذا الباب، أن الباب المتقدم بَيَّن استعمال الجنسين، في وقت واحد مغترفتين جميعا، وهذا الباب بين استعمالهما متعاقبين.