قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا ترجمة معظم نسخ "المجتبى"، ووقع فِي بعضها بلفظ:"إلى إنباذ البلح والتمر" بدل "بيان البلح"، والإنباذ مصدر أنبذ، يقال: نبذه، وأنبذه، وانتبذه، ونبّذه، قاله فِي "القاموس".
والذي يظهر لي أن فيها تحريفًا، والصواب:"بيان النهي عن شرب نبيذ الخليطين، الراجع إلى انتباذ الْبَلَح والتمر". فقوله:"الراجع" صفة لـ"نبيذ"، والمعنى: هَذَا باب ذكر الْحَدِيث الدّالّ عَلَى بيان النهي عن شرب نبيذ الخليطين الذي يرجع خلطه إلى خلط الْبَلَح والتمر.
ولفظ ترجمة "الكبرى" ٣/ ٢٠٤ - :"ذكر النهي الثابت عن شرب نبيذ الخليطين الراجعة إلى ثمار النخل والتمر" ٤ - "البلح والثمر" ثم أورد حديث الباب.
و"الْبَلَحُ " -بفتحين-: هو أول ما يُرطب منْ البسر، واحده بَلَحة -بفتحتين أيضاً.
[تنبيه]: ترجم الإِمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، فَقَالَ:"باب منْ رأى أن لا يَخلِط البسر والتمر، إذا كَانَ مسكرا، وأن لا يَجعلَ إدامين فِي إدام".
قَالَ فِي "الفتح": قَالَ ابن بطال: قوله: "إذا كَانَ مسكرا" خطأ؛ لأن النهي عن الخليطين عامّ، وإن لم يسكر كثيرهما؛ لسرعة سريان الإسكار إليهما منْ حيث لا يشعر صاحبه به، فليس النهي عن الخليطين؛ لأنهما يسكران حالاً، بل لأنهما يسكران مآلاً، فإنهما إذا كانا مسكرين فِي الحال، لا خلاف فِي النهي عنهما. قَالَ الكرماني: فعلى هَذَا فليس هو خطأً، بل يكون أطلق ذلك عَلَى سبيل المجاز، وهو استعمال مشهور. وأجاب ابن المنير: بأن ذلك لا يَرِدُ عَلَى البخاريّ، إما لأنه يرى جواز الخليطين قبل الإسكار، وإما لأنه ترجم عَلَى ما يطابق الْحَدِيث الأول، وهو حديث أنس -رضي الله عنه-، فإنه لا شك أن الذي كَانَ يسقيه القومَ حينئذ كَانَ مسكرا, ولهذا دخل عندهم فِي عموم النهي عن الخمر، حَتَّى قَالَ أنس:"وانا لنَعُدُّها يومئذ الخمر"، فدل عَلَى أنه كَانَ مسكرا.
قَالَ: وأما قوله: "وأن لا يجعل إدامين فِي إدام"، فيطابق حديث جابر، وأبي قتادة، ويكون النهي معللا بعلل مستقلة، إما تحقيق إسكار الكثير، وإما توقع الإسكار بالخلط سريعا، وإما الإسراف والشَّرَهُ، والتعليل بالاسراف مبين فِي حديث النهي عن قران التمر.