قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذكر أن الصحيح أن عقوبة مانع الزكاة بأخذ شطر ماله مشروع لصحة حديث الباب، وأما قياس جواز العقوبة بالمال في غير موارد النصّ، فغير صحيح، لما مرّ آنفا.
وخلاصة المسألة أن قول الجمهور بعدم مشروعيّة العقوبة بالمال مطلقًا حتى في المواضع التي صحّت عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، مثل حديث الباب، محتجين بالنصوص العامة المتقدمة ونحوها في تحريم مال المسلم فيه نظرٌ؛ لأن حرمة مال المسلم مشروط بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إلا بحقه"، وما ثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كحديث الباب، فإنه من حقّه، فلا تتناوله نصوص التحريم. وكذلك القول بجواز العقوبه به مطلقًا، كما يقول الآخرون فيه نظر أيضًا؛ لقوة نصوص منع مال المسلم إلا بحقّه، فما لم يصحّ عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لا يجوز استعمال القياس فيه؛ لتلك النصوص، فالقياس مع النص باطل. وما صحّ عنه استثناؤه، فالعمل به واجب.
والحاصل أن عقوبة مانع الزكاة بأخذ شطر ماله مشروع؛ للأدلة المذكورة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
٥ - (بَابُ زَكَاةِ الإِبِلِ)
قال الفيّوميّ -رحمه اللَّه تعالى-: "الإبُل" -بكسرتين-: اسم جمع لا واحد لها، وهي مؤنّثة؛ لأن اسم الجمع الذي لا واحد له من لفظه إذا كان لما لا يعقل يلزمه التأنيث، وتدخله الهاء إذا صُغّر، نحو أُبَيلةٍ، وغُنَيمةٍ، وسُمع إسكان الباء للتخفيف، ومن التأنيثِ، وإسكانِ الباء قولُ أبي النَّجْم [من الرجز]:
والجمع آبال، وأَبِيل، وزانُ عَبِيد، وإذا ثُنّي، أو جُمِع، فالمراد به قَطِيعان، أو قَطِيعاتٌ، وكذلك أسماء الجموع، نحوُ أبقارٍ، وأَغنامٍ. والإبِلُ بناء نادرٌ، قال سيبَوَيهِ: لم يجىء على فِعِلٍ -بكسر الفاء والعين- من الأسماء إلا حرفان (١): إِبِلٌ، وحِبِرٌ، وهو
(١) - لم يذكر سيبويه من الكلمات على فِعِل إلا إبلاً فقط، قال: ويكون فعلاً في الاسم، نحو إبل، وهو قليل، لا نعلم في الأسماء والصفات غيره. انتهى "الكتاب" ج٢ ص ٣١٥.