"فإنا آخذوها من شطر ماله"، أي يُجعل ماله شطرين، ويتخيّر عليه المصدّق، ويأخذ الصدقة من خير الشطرين، عقوبة لمنعه الزكاة، وأما ما لا يلزمه فلا.
وبما قال بعضهم: إن لفظة: "وشُطِرَ مالُهُ" بضم الشين المعجمة، وكسر الطاء المهملة، فعل مبنيّ للمجهول، أي جعل ماله شطرين، يأخذ المصدّق من أي الشطرين أراد.
وتعقّب بأن الأخذ من خير الشطرين يصدق عليه اسم العقوبة بالمال؛ لأنه زائد على الواجب، وبأنه يستلزم تغليط الثقة بدون ضرورة.
وأجابو عن حديث همّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بالإحراق بأن السنة أقوال، وأفعال، وتقريرات، والهمّ ليس من الثلاثة.
وتعقّب بأن الهمّ من النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من السنّة عند المحققين، كما هو موضّح في كتب مصطلح أهل الحديث، وفي كتب الأصول أيضًا، وبأنه - صلى اللَّه عليه وسلم -لا يهمّ إلا بالجائز.
وأما حديثًا عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، فأجابو عنهما بما تقدم من ضعف الإسناد.
وأجابوا عن حديث قصة أخذ سَلَب من يصيد في المدينة؛ بأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - عيّن نوع الفدية هنا بأنها سَلَبُ الصائد فيُقتصر فيه على السبب، لقصور العلّة التي هي هتك الحرمة عن التعدية.
وعن قصة المدديّ بأنها واردة على سبب خاص، فلا يُجاوَزُ بها إلى غيره؛ لأنها، وسائر أحاديث الباب مما ورد على خلاف القياس لورود الأدلة كتابًا، وسنّةً بتحريم مال الغير، قال اللَّه تعالى:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} الآية وقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} الآية [البقرة: ١٨٨].
وقال - صلى اللَّه عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع:"إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام … " الحديث.
وأما تحريق عليّ طعام المحتكرين، ودور القوم، وهدمه دار جرير، فبعد تسليم صحّة الإسناد إليه، وانتهاض فعله للاحتجاج به يجاب عنه بأن ذلك من قطع ذرائع الفساد، كهدم مسجد الضرار، وتكسير المزامير. وأما المرويّ عن عمر من ذلك، فيجاب عنه إن ثبت بأنه أيضًا قول صحابيّ، لا ينتهض للاحتجاج به، ولا يَقوَى على تخصيص عمومات الكتاب والسنّة. وكذلك المرويّ عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -. أفاده العلامة الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "نيل الأوطار"، ونقلته عنه بتصرّف (١).