"ويستثني المشتري ماله". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
وقوله:"ومن باع عبدًا" الجارية فِي ذلك كالعبد، وهذا متّفقٌ عليه، حَتَّى منْ أهل الظاهر، وَقَالَ ابن حزم: لفظ العبد يقع فِي اللغة العربيّة عَلَى جنس العبد والإماء؛ لأن العرب تقول: عبد، وعبدة، والعبد اسم للجنس، كما تقول: الإنسان، والفرس، والحمار. قاله فِي "طرح التثريب" ٦/ ١٢٤.
والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم تخريجه فِي الباب الماضي، وإنما نبحث هنا عما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، فأقول فيه مسألتان:
(المسألة الأولى): فِي اختلاف أهل العلم فيمن باع عبدًا, وله مالٌ:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: إذا باع السيّد عبده، أو جاريته، وله مال، ملّكه إياه مولاه، أو خصه به، فهو للبائع؛ لما رَوَى ابنُ عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"منْ باع عبدا, وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع"، متّفقٌ عليه، ولأن العبد، وماله للبائع، فإذا باع العبد، اختَصّ البيع به دون غيره، كما لو كَانَ له عبدان، فباع أحدهما، وإن اشترطه المبتاع، كَانَ له للخبر، وروى ذلك نافع عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وقضى به شريح، وبه قَالَ عطاء، وطاوس، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وَقَالَ الْخِرَقيّ: إذا كَانَ قصده للعبد لا للمال، هَذَا منصوص أحمد، وهو قول الشافعيّ، وأبي ثور، وعثمان الْبَتّيّ، ومعناه أنه لا يقصد بالبيع شراء مال العبد، إنما يقصد بقاء المال لعبده، وإقراره فِي يده، فمتى كَانَ كذلك صح اشتراطه، ودخل فِي البيع به، سواء كَانَ المال معلوما، أو مجهولا، منْ جنس الثمن، أو منْ غيره، عينا كَانَ أو دينا، وسواء كَانَ مثل الثمن، أو أقل، أو أكثر، قَالَ البتى: إذا باع عبدا بألف درهم، ومعه ألف درهم، فالبيع جائز، إذا كانت رغبة المبتاع فِي العبد، لا فِي الدراهم، وذلك لأنه دخل فِي البيع تبعا غير مقصود، فأشبه أساسات الحيطان، والتمويه بالذهب فِي السقوف، فأما إن كَانَ المال مقصودا بالشراء، جاز اشتراطه، إذا وجدت فيه شرائط البيع منْ العلم به، وأن لا يكون بينه وبين الثمن ربا، كما يعتبر ذلك فِي العينين المبيعتين؛ لأنه مبيع مقصود، فأشبه ما لو ضَمّ إلى العبد عينا أخرى وباعهما، وَقَالَ القاضي: هَذَا ينبني عَلَى كون العبد يملك، أو لا يملك، فإن قلنا: لا يملك فاشترط المشتري ما له صار مبيعا معه، فاشتُرِط فيه ما يشترط فِي سائر المبيعات، وهذا مذهب أبي حنيفة، وإن قلنا: يملك احتُمِلت فيه الجهالةُ وغيرها، مما ذكرنا منْ قبل, لأنه تبع فِي البيع، لا أصل، فأشبه طيّ الآبار، وهذا خلاف نص أحمد، وقولِ الخرقي؛ لأنهما جعلا الشرط الذي يختلف الحكم به، قصد المشتري دون غيره، وهو أصح إن شاء الله تعالى، واحتمال الجهالة فيه؛ لكونه غير مقصود كما ذكرنا، كاللبن