قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أنّ ما ذهب إليه الإِمام أحمد رحمه الله منْ إثبات خيار الغَبْنِ هو الأرجح، كما سيأتي قريبًا، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أنس رضي الله تعالى عنه هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم الخديعة فِي البيع، وهو التحريم. (ومنها): مشروعيّة خيار الغبن لمن كَانَ ضعيف العقل، فباع، أو اشترى، ثم ظهر الغبن له، وفيه خلاف بين العلماء، قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: واختلف العلماء فِي هَذَا الْحَدِيث، فجعله بعضهم خاصًا فِي حقّه، وأن المغابنة بين المتبايعين لازمة، ولا خيار للمغبون بسببها، سواء قلّت، أو كثُرت، وهذا مذهب الشافعيّ، وأبي حنيفة، وآخرين، وهي أصحّ الروايتين عن مالك، وَقَالَ البغداديّون منْ المالكيّة: للمغبون الخيار لهذا الْحَدِيث، بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، فإن كَانَ دونه فلا، والصحيح الأول؛ لأنه لم يثبت أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أثبت له الخيار، وإنما قَالَ له: قل: "لا خلابة": أي لا خديعة، ولا يلزم منْ هَذَا ثبوت الخيار، ولأنه لو ثبت، أو أثبت له الخيار، كانت قضيّة عين، لا عموم لها، فلا ينفذ منه إلى غيره إلا بدليل. انتهى "شرح مسلم" ١٠/ ١٧١.
وَقَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى فِي "المغني": ويثبت الخيار فِي البيع للغبن فِي مواضع: [أحدها]: تلقي الركبان، إذا تلقاهم، فاشترى منهم، وباعهم، وغبنهم. [الثاني]: بيع النجش، ويذكران فِي مواضعهما. [الثالث]: المسترسِل إذا غُبن غبنا يخرج عن العادة، فله الخيار بين الفسخ والإمضاء، وبهذا قَالَ مالك، وَقَالَ ابن أبي موسى: وَقَدْ قيل: قد لزمه البيع، وليس له فسخه، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي؛ لأن نقصان قيمة السلعة مع سلامتها، لا يمنع لزوم العقد، كبيع غير المسترسل، وكالغبن اليسير. ولنا أنه غبن حصل لجهله بالمبيع، فأثبت الخيار كالغبن فِي تلقي الركبان، فأما غير المسترسل، فإنه دخل عَلَى بصيرة بالغبن، فهو كالعالم بالعيب، وكذا لو استعجل، فجهل ما لو تثبت لعلمه، لم يكن له خيار؛ لأنه انبنى عَلَى تقصيره وتفريطه، والمسترسل: هو الجاهل بقيمة السلعة، ولا يُحسِن المبايعة، قَالَ أحمد: