للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خرّجه ابن جرير الطبريّ فِي "تفسيره" منْ وجه آخر عن عمر -رضي الله عنه-، وزاد فيه أنه قَالَ: "وكلاهما بحمد الله لنا عيد". وخرج الترمذيّ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ هذه الآية، وعنده يهوديّ، فَقَالَ: لو أنزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدًا، فَقَالَ ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما: فإنها نزلت فِي يوم عيدين: فِي يوم جمعة، ويوم عرفة.

فهذا قد يؤخذ منه أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع، كما يفعله أهل الكتابين منْ قبلنا، إنما تكون بالشرع والاتّباع، فهذه الآية لَمّا تضمنت إكمال الدين، وإتمام النعمة أنزلها الله فِي يوم شرعه عيدا لهذه الأمة منْ وجهين:

[أحدهما]: يوم عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة. [والثاني]: أنه يوم عيد الموسم، وهو يوم مجمعهم الأكبر، وموقفهم الأعظم، وَقَدْ قيل: إنه يوم الحجّ الأكبر. وَقَدْ جاء تسميته عيدًا فِي حديث مرفوع، خرجه أهل "السنن" منْ حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيّام التشريق عيدنا أهلَ الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" (١).

وَقَدْ أشكل وجهه عَلَى كثير منْ العلماء؛ لأنه يدلّ عَلَى أن يوم عرفة يوم عيد، لا يصام، كما رُوي ذلك عن بعض المتقدّمين، وحمله بعضهم عَلَى أهل الموقف، وهو الأصحّ؛ لأنه اليوم الذي فيه أعظم مجامعهم، ومواقفهم، بخلاف أهل الأمصار، فإن يوم اجتماعهم يوم النحر، وأما أيام التشريق، فيُشارك أهل الأمصار أهل الموسم فيها؛ لأنها أيام ضحاياهم، وأكلهم منْ نسكهم.

هَذَا قول جمهور العلماء. وَقَالَ عطاء: إنما هي أعياد لأهل الموسم، فلا يُنهى أهلُ الأمصار عن صيامها، وقول الجمهور أصحّ.

ولكن الأيام التي يحدُث فيها حوادث منْ نعم الله تعالى عَلَى عباده لو صامها بعض النَّاس شكرًا منْ غير اتخاذها عيدًا، كَانَ حسنًا؛ استدلالاً بصيام النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء لَمّا أخبره اليهود بصيام موسى -عليه السلام- له شُكرًا، ويقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمّا سُئل عن صيام يوم الاثنين، قَالَ: "ذلك يوم وُلدتُّ فيه، وأُنزل عليّ فيه".

فأما الأعياد التي يجتمع عليها النَّاس، فلا يتجاوز بها ما شرعه الله لرسوله، وشرعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته.

والأعياد هي مواسم الفرح والسرور، وإنما شرع الله تعالى لهذه الأمة الفرح


(١) تقدّم للمصنف فِي "الحجّ" ١٩٥/ ٣٠٠٤. وأخرجه أبو داود (٢٤١٩)، والترمذيّ فِي (٧٧٣).