جزء، والأعمال جزآن، لأنها فرائض، ونوافل. وتعقبه أبو عبيد، بأنه خلاف ظاهر القرآن، وَقَدْ قَالَ الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩]، والإسلام حيث أُطلق مفردا دخل فيه الإيمان، كما تقدّم تقريره.
[فإن قيل]: فلم أعاد فِي هَذَا الباب الآيتين المذكورتين فيه وَقَدْ تقدمتا فِي أول "كتاب الإيمان".
[فالجواب]: أنه أعادهما ليوطىء بهما معنى الكمال المذكور فِي الآية الثالثة؛ لأن الاستدلال بهما نص فِي الزيادة، وهو يستلزم النقص، وأما الكمال فليس نصا فِي الزيادة، بل هو مستلزم للنقص فقط، واستلزامه للنقص يستدعي قبوله الزيادة، ومن ثم قَالَ المصنّف: فإذا ترك شيئا منْ الكمال فهو ناقص، ولهذه النكتة عدل فِي التعبير للآية الثالثة عن أسلوب الآيتين، حيث قَالَ أولا: وقول الله، وَقَالَ ثانيا: وَقَالَ، وبهذا التقرير يندفع اعتراض منْ اعترض عليه، بأن آية أكملت لكم لا دليل فيها عَلَى مراده؛ لأن الإكمال إن كَانَ بمعنى إظهار الحجة عَلَى المخالفين، أو بمعنى إظهار أهل الدين عَلَى المشركين، فلا حجة للمصنف فيه، وإن كَانَ بمعنى إكمال الفرائض، لزم عليه أنه كَانَ قبل ذلك ناقصا، وأن منْ مات منْ الصحابة قبل نزول الآية، كَانَ إيمانه ناقصا، وليس الأمر كذلك؛ لأن الإيمان لم يزل تاما.
ويوضح دفع هَذَا الاعتراض جواب القاضي أبي بكر بن العربي، بأن النقص أمر نسبي، لكن منه ما يترتب عليه الذم، ومنه ما لا يترتب، فالأول مانقصه بالاختيار، كمن علم وظائف الدين، ثم تركها عمدا، والثاني ما نقصه بغير اختيار، كمن لم يعلم، أو لم يكلف، فهذا لا يُذَمّ، بل يحمد منْ جهة أنه كَانَ قلبه مطمئنا، بأنه لو زيد لقبل، ولو كلف لعمل، وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض.
ومحصله: أن النقص بالنسبة إليهم صورى نسبي، ولهم فيه رتبة الكمال، منْ حيث المعنى، وهذا نظير قول منْ يقول: إن شرع محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل منْ شرع موسى وعيسى عليهما السلام؛ لاشتماله منْ الأحكام عَلَى ما لم يقع فِي الكتب التي قبله، ومع هَذَا فشرع موسى فِي زمانه، كَانَ كاملا، وتجدد فِي شرع عيسى بعده ما تجدد، فالأكملية أمر نسبي، كما تقرر. والله تعالى أعلم. انتهى "فتح" ١/ ١٤٣ - ١٤٤. "كتاب الإيمان" وهو بحث نفيس جدًّا.
وقوله:"فِي عرفة، فِي يوم جمعة": أي فقد جمع الله سبحانه وتعالى لنا فِي يوم نزولها عيدين؛ منّةً منه تعالى، منْ غير تكلّف منا، فله الحمد عَلَى تمام نعمته.
وَقَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: بعد أن أورد الْحَدِيث: ما نصّه: وَقَدْ