السبّ، ولَمّا كان المتن قد يُشعر بالعموم أتبعه بالترجمة التي بعده -يعني "باب ذكر شرار الموتى"- وتأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصّة، والوجه عندي حمله على العموم، إلا ما خصّه الدليل، بل لقائل أن يمنع أن ما كان على جهة الشهادة، وقصد التحذير يسمّى سبًا في اللغة.
وقال ابن بطّال -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخيرَ، وقد تكون منه الفَلْتَة، فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقًا مُعلنًا، فلا غيبة له، فكذلك الميت.
ويحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن، ليتّعظ بذلك فُساق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أُمسك عنه لإفضائه إلى ما قَدَّم. وقد عَلِمَت عائشة راوية هذا الحديث بذلك في حقّ من استحقّ عندها اللعن، فكانت تلعنه، وهو حيّ، فلما مات تركت ذلك، ونهت عن لعنه. قاله في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب
١٩٣٦ - (أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ, عَنْ بِشْرٍ, وَهُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ, عَنْ شُعْبَةَ, عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ, عَنْ مُجَاهِدٍ, عَنْ عَائِشَةَ, قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «لَا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ, فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا, إِلَى مَا قَدَّمُوا»).
رجال هذا الإسناد: ستة:
١ - (حُميد بن مسعدة) البصريّ، صدوق [١٠] ٥/ ٥.
٢ - (بشر بن المفضّل) أبو إسماعيل البصريّ، ثقة ثبت عابد [٨] ٦٦/ ٨٢.
٣ - (شعبة) الإمام الحجة الثبت المشهور المذكور قبل باب.
٤ - (سليمان الأعمش) ابن مهران الكوفيّ الإمام الحافظ الحجة [٥] ١٧/ ١٨.
٥ - (مجاهد) بن جَبْر الإمام المكيّ المفسّر الثبت [٣] ٢٧/ ٣١.
٦ - (عائشة) - رضي اللَّه عنه - ٥/ ٥. واللَّه تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من سداسيات المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالبصريين إلى شعبة، وبعده بالكوفيين إلا مجاهدًا فمكي، وعائشة، فمدنية. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها -، أنها (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ) ذَكَروا لذِكْرِ عاثشة - رضي اللَّه عنها - لهذا الحديث سببًا، وهو ما أخرجه عُمر بن شبّة في