قال أبو عمر: وقد جَعَلَت طائفة من العلماء العزلة، اعتزال الشرّ، وأهله بقلبك وعملك، وإن كنت بين ظهرانيهم، ذكر ابن المبارك، قال: حدّثنا وهيب بن الورد، قال: جاء رجل إلى وهب بن منبّه، فقال: إنّ الناس قد وقعوا فيما فيه وقعوا، وقد حدّثت نفسي أن لا أخالطهم، فقال: لا تفعل، إنه لا بدّ لك من الناس، ولا بدّ لهم منك، ولك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصمّ سميعًا، أعمى بصيرًا، سَكُوتًا نَطُوقًا. وقال ابن المبارك في تفسير العزلة: وإن خاضوا في غير ذلك، فأسكت.
قال أبو عمر: يشبه أن يكون من ذهب هذا المذهب مِنْ حجته: ما رواه أحمد، والترمذيّ، وابن ماجه، عن ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال:"المؤمن الذي يُخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يخالطهم، ولا يصبر على أذاهم". قال: وروينا عن الأحنف بن قيس، أنه قال: الكلام بالخير أفضل من السكوت، والسكوت خير من الكلام باللغو والباطل، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
ثم أخرج الأحاديث المرفوعة بأسانيده:(منها): حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى - عنهما المذكور في الباب. (ومنها): حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه تعالى عنه -: أن رجلًا أتى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: يا رسول اللَّه، أيّ الناس أفضل؟ قال:"مؤمنٌ يجاهد في سبيل اللَّه بنفسه وماله"، فقال: ثمّ من يا رسول اللَّه؟ قال:"ثمّ مؤمنٌ في شعب من الشعاب يتّقي اللَّه، ويَدَعُ الناس من شرّه". متّفق عليه. (ومنها): حديث أبي سعيد أيضًا: قيل: يا رسول اللَّه، أيّ الأعمال أفضل؟، قال:"الجهاد في سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-"، قيل: ثمّ مهْ؟ قال:"رجلٌ في شعب من الشعاب، يتّقي ربّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ويذَرُ الناس من شرّه". (١)(ومنها): حديثه أيضًا: قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ، يتبع بها شَعَفَ الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن". رواه البخاريّ.
(ومنها): حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يأتي على الناس زمانٌ يكون فيه خير الناس فيه منزلةً من أخذ بعنان فرسه في سبيل اللَّه، كلّما سمع بهَيْعَة استوى على متنه، ثم يطلب الموت في مظانّه، ورجلٌ في شعب من هذه الشعاب، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويَدَعُ الناس إلا من خير". رواه أحمد بسند رجاله ثقات (ومنها): حديث أم مبشّر بنت البراء بن معرور - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالت: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول لأصحابه:"ألا أخبركم بخير الناس، رجلًا؟ "، قالوا: بلى، يا