وأخرج عن سفيان الثوريّ، قال: ما رأيت لأحد خيرًا من أن يدخل في جُحر. وقال يحيى بن يمان: قال لي سفيان: أَنكِرْ من تَعرف، ولا تتعرّف من لا تعرف. وأخرج عن سفيان بن عيينة، قال: رأيت سفيان الثوريّ في النوم، فقلت: أوصني، فقال: أقلّ من معرفة الناس، أقلّ من معرفة الناس. قال ابن عيينة: كأنه ملدوغٌ من مجالسة الناس. وقال داود الطائيّ: فِرَّ من الناس كما تفرّ من الأسد، واستوحش منهم كما تستوحش من السباع. ومما يُروى عن الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى-، وزمانه لا محالة خيرٌ من زماننا هذا [من البسيط]:
وقال الفضيل بن عياض: أقِلَّ من معرفة الناس، وليكن شغلك في نفسك. وقال وُهيب بن الورد: خالطت الناس خمسين سنة، فما وجدت رجلًا غفر لي ذنبًا فيما بيني وبينه، ولا وصلني إذا قطعته، ولا ستر عليّ عورةً، ولا أمنته إذا غضب، فالاشتغال بهؤلاء حُمْقٌ. وقال مالك بن دينار: قال لي راهبٌ من الرهبان: يا مالك، إن استطعت أن تجعل بينك وبين الناس سُورًا من حديد، فافعل، فانظر كلّ جليس لا تستفيد منه خيرًا في دينك، فانبذه عنك. وأخرج عن عمر بن الخطّاب، قال: خذوا بحظّكم من العزلة.
وكان سعيد بن المسيّب يقول: العزلة عبادة. وذكر عبد اللَّه بن حبيق، قال: قال لي يوسف بن أسباط: قال لي سفيان الثوريّ -وهو يطوف حول الكعبة- والذي لا إله إلا هو، لقد حلّت العزلة. وقال بعض الحكماء: الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت" العاشرة عزلة الناس، قال: وعالجت نفسي على الصمت، فلم أظفر به، فرأيت أن العاشرة خير الأجزاء، وهي عزلة الناس.