للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، وحمله عَلَى الاستسلام خوفًا، وتَقِيَّةً. وهذا مروي عن طائفة منْ السلف، منهم مجاهدٌ، وابن زيد، ومقاتل بن حيّان، وغيرهم. وكذلك رجحه محمد بن نصر المروزيّ، كما رجحه البخاريّ؛ لأنهما لا يفرّقان بين الإسلام والإيمان، فإذا انتفى أحدهما انتفى الآخر، وهو اختيار ابن عبد البرّ، وحكاه عن أكثر أهل السنة، منْ أصحاب مالك، والشافعيّ، وداود.

وأما منْ يفرّق بين الإسلام والإيمان، فإنه يستدلّ بهذه الآية عَلَى الفرق بينهما، ويقول: نفي الإيمان عنهم، لا يلزم منه نفي الإسلام، كما نفَى الإيمان عن الزاني، والسارق، والشارب، وإن كَانَ الإسلام عنهم غير منفيّ. وَقَدْ ورد هَذَا فِي الآية عن ابن عباس، وقتادة، والنخعيّ، ورُوي عن ابن زيد معناه أيضًا، وهو قول الزهريّ، وحمّاد ابن زيد، وأحمد، ورجحه ابن جرير، وغيره. واستدلّوا به عَلَى التفريق بين الإسلام والإيمان، وكذا قَالَ قتادة فِي هذه الآية، قَالَ: {قُولُوا أَسْلَمْنَا}: شهادة أن لا إله إلا الله، وهو دين الله، والإسلام درجة، والإيمان تحقيقٌ فِي القلب، والهجرة فِي الإيمان درجة، والجهاد فِي الهجرة درجة، والقتل فِي سبيل الله درجة. خرجه ابن أبي حاتم. فجعل قتادة الإسلام الكلمة، وهي أصل الدين، والإيمان ما قام بالقلب منْ تحقيق التصديق بالغيب، فهؤلاء القوم لم يحقّقوا الإيمان فِي قلوبهم، وإنما دخل فِي قلوبهم تصديق ضعيفٌ بحيث صحّ به إسلامهم، ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: ١٤].

واختَلف منْ فرق بين الإسلام والإيمان فِي حقيقة الفرق بينهما، فقالت طائفة: الإسلام كلمة الشهادتين، والإيمان العمل، وهذا مرويّ عن الزهريّ، وابن أبي ذئب، وهو رواية عن أحمد، وهي المذهب عند القاضي أبي يعلى، وغيره منْ أصحابه، ويشبه هَذَا قول ابن زيد فِي تفسيره هذه الآية، قَالَ: لم يصدّقوا إيمانهم بأعمالهم، فردّ الله تعالى عليهم، وَقَالَ: {لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} , فَقَالَ: الإسلام إقرارٌ، والإيمان تصديق، وهو قول أبي خيثمة وغيره منْ أهل الْحَدِيث، وَقَدْ ضعّف ابن حامد منْ الحنابلة هَذَا القول عن أحمد، وَقَالَ: الصحيح أن مذهبه أن الإسلام قولٌ، وعملٌ، روايةً واحدةً، ولكن لا يُدخل كلّ الأعمال فِي الإسلام، كما يُدخل فِي الإيمان، وذكر أن المنصوص عن أحمد أنه لا يكفر تارك الصلاة، فالصلاة منْ خصال الإيمان، دون الإسلام، وكذلك اجتناب الكبائر منْ شرائط الإيمان، دون الإسلام، كذا قَالَ، وأكثر أصحاب أحمد أن ظاهر مذهب أحمد تكفير تارك الصلاة، فلو لم تكن الصلاة منْ