الإسلام لم يكن تاركها عنده كافرًا. والنصوص الدّالّة عَلَى أن الأعمال داخلة فِي الإسلام كثيرة.
وَقَدْ ذهبت طائفة إلى أن الإسلام عامّ، والإيمان خاصّ، فمن ارتكب الكبائر، خرج منْ دائرة الإيمان الخاصّة إلى دائرة الإسلام العامّة، هَذَا مرويّ عن أبي جعفر محمد بن عليّ، وضعّفه ابن نصر المروزيّ، منْ جهة راويه عنه، وهو فُضيل بن يسار، وطعن فيه، وروي عن حماد بن زيد نحو هَذَا أيضًا. وحُكي رواية عن أحمد أيضًا، فإنه قَالَ فِي رواية الشالنجي فِي مرتكب الكبائر: يخرج منْ الإيمان، ويقع فِي الإسلام، ونَقَل حنبلٌ عن أحمد معناه. وَقَدْ تأوّل هذه الرواية القاضي أبو يعلى، وأقرّها غيره، وهي اختيار أبي عبد الله بن بَطّة، وابن حامد، وغيرهما منْ الأصحاب.
وقالت طائفة: الفرق بين الإسلام والإيمان أن الإيمان هو التصديق، تصديق القلب، فهو علم القلب، وعمله، والإسلام الخضوع، والاستسلام، والانقياد، فهو عمل القلب والجوارح.
وهذا قول كثير منْ العلماء، وَقَدْ حكاه أبو الفضل التميميّ عن أصحاب أحمد، وهو قول طائفة منْ المتكلّمين، لكن المتكلّمون عندهم أن الأعمال لا تدخل فِي الإيمان، وتدخل فِي الإسلام. وأما أصحاب أحمد، وغيرهم منْ أهل الْحَدِيث، فعندهم أن الأعمال تدخل فِي الإيمان، مع اختلافهم فِي دخولها فِي الإسلام، كما سبق، فلهذا قَالَ كثير منْ العلماء: إن الإسلام والإيمان تختلف دلالتهما بالإفراد والاقتران، فإن أُفرد أحدهما دخل فيه الآخر، وإن قرن بينهما كانا شيئين حينئذ، وبهذا يُجمع بين حديث سؤال جبريل -عليه السلام- عن الإسلام والإيمان، ففرق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بينهما، وبين حديث وفد عبد القيس، حيث فسّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الإيمان المنفرد بما فسّر به الإيمان (١) المقرون فِي حديث جبريل -عليه السلام-.
وَقَدْ حكى هَذَا القول أبو بكر الإسماعيلي عن كثير منْ أهل السنّة والجماعة، ورُوي عن أبي بكر بن أبي شيبة ما يدلّ عليه، وهو أقرب الأقوال فِي هَذَا المسألة، وأشبهها بالنصوص، والله أعلم.
والقول بالفرق بين الإسلام والإيمان مرويّ عن الحسن، وابن سيرين، وشَريك، وعبد الرحمن بن مهديّ، ويحيى بن معين، ومؤمل بن إهاب، وحُكي عن مالك أيضًا، وَقَدْ سبق حكايته عن قتادة، وداود بن أبي هند، والزهريّ، وابن أبي ذئب، وحماد بن
(١) هكذا فِي الأصل بلفظ "الإيمان"، والظاهر أنه غلطٌ، والصواب: "بما فسّر به الإسلام". والله تعالى أعلم.