[فائدة]: النكتة فِي العدول عن الإثبات إلى النفي فِي قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}[لقمان: ٣٤]، وكذا التعبير بالدراية، دون العلم؛ للمبالغة والتعميم، إذ الدراية اكتساب علم الشيء بحيلة، فإذا انتفى ذلك عن كل نفس، مع كونه منْ مختصاتها، ولم تقع منه عَلَى علم، كَانَ عدم اطلاعها عَلَى علم غير ذلك منْ بابٍ أولى. انتهى ملخصا منْ كلام الطيبي.
(لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ) سبحانه وتعالى، ثم تلا الآية، وهي قوله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} يعني أنه قرأ إلى آخر السور. وأما ما وقع عند البخاريّ فِي "التفسير" منْ قوله: {إلي الأرحام}، فهو تقصير منْ بعض الرواة، والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها. قاله فِي "الفتح" ١/ ١٦٩.
(ثُمَّ قالَ) -صلى الله عليه وسلم- للناس الحاضرين عنده بعد أن خرج الرجل، وأمر بأن يردّوه عليه، فلم يجدوه (لَا) نافية، أُكد بـ"ما" النافية الآتية (وَالَّذِى بَعَثَ مُحَمَّدًا بالْحَقِّ) وهو الله سبحانه وتعالى (هُدًى) بضم، ففتح- أي هاديًا، ففيه وصفه بالمصدر؛ مبالغةً (وَبَشِيرًا) أي مبشّرًا منْ اتبعه بالجنّة (مَا) زائدة زيدت تأكيدا لـ"لا" السابقة (كُنْتُ بأَعْلَمَ بِهِ مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ، وَإِنَّهُ لَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام) وأما قوله: (نَزَلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ) فقد تقدّم أنها زيادة شاذّة؛ مخالفة لسياق الْحَدِيث، فقد تقدّم فِي حديث عمر -رضي الله عنه-: "لا يعرفه منّا أحد"، فتنبّه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي هريرة، وأبي ذرّ رضي الله تعالى عنهما هَذَا متّفق عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٦/ ٤٩٩٣ - . وأخرجه (خ) فِي "الإيمان" ٥٠ و"التفسير" ٤٧٧٧ (م) فِي "الإيمان" ٩ و١٠ (د) فِي "السنّة" ٤٦٩٨ (ق) فِي "المقدّمة" ٦٤ و"الفتن" ٤٠٤٤ (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" ٩٢١٧. وأما فوائد الْحَدِيث، وسائر المسائل المتعلّقة به، فقد تقدّمت فِي الباب الماضي، فراجعها تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".