فليس له إلا الأحاديث، الثلاثة المذكورة آنفًا، الأول عند المصنف، وأبي داود، وابن ماجه، والثاني عند المصنف فقط، والثالث عنده، وعند ابن ماجه. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ) - رضي اللَّه عنه - أنه (قَالَ: قَدِمْنَا) بكسر الدال المهملة (الْمَدِينَةَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ:"يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا") هذا نصّ واضح في أن معنى الحديث السابق: "واليد العليا خير من اليد السفلى"، وسيأتي تمام الكلام عليه في الباب التالي، إن شاء اللَّه تعالى (وَابدَأْ) أي في العطاء (بِمَق تَعُولُ) أي بمن تجب عليك نفقته، يقال: عال الرجل أهله عَوْلًا، من باب قال: إذا مانهم، أي قام بما يحتاجون إليه، من قوت، وكسوة. وفيه تقديم نفقة نفسه وعياله؛ لأنها منحصرة فيه، بخلاف نفقة غيرهم (أُمَّكَ) يحتمل أن يكون منصوبًا بفعل محذوف، أي أعني أمّك الخ. أو منصوبًا على نزع الخافض، أي بأمّك الخ. ويحتمل أن يكون مجرورًا بدلًا من قوله:"من تعول". ويحتمل أن يكون مرفوعًا بتقدير: وهم أمكّ الخ، فعلى الوجهين الأخيرين يكون قوله (وَأَبَاكَ) - ومثلها "أخاك" - مقصورًا معربًا على الألف، على حدّ قول الشاعر:
(وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ) أي الأقرب إليك نسبًا (أَدْنَاكَ) الظاهر أنه معطوف بحرف الترتيب مقدّرًا، أي فأدناك (مُخْتَصَرٌ) خبر لمحذوف، أي هذا الحديث مختصر من حديث طارق المحاربيّ - رضي اللَّه تعالى عنه - المطوّل.
وقد ساقه الإمام الدارقطنيّ -رحمه اللَّه تعالى- بطوله في "سننه" جـ ٣ ص ٤٤ - ٤٥، فقال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل، نا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطّان، نا ابن نُمير، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، نا أبو صخّرة، جامع بن شدّاد، عن طارق ابن عبد اللَّه المحاربيّ، قال: رأيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - مرّتين، مرّة بسوق ذي المجاز، وأنا في تباعة لي هكذا، قال: أبيعها، فمرّ، وعليه حلّة حمراء، وهو ينادي بأعلى صوته:"يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا"، ورجلٌ يتبعه بالحجارة، وقد أدمى كعبيه، وعرقوبيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه، فإنه كذّابٌ، قلت: من هذا؟ فقالوا: هذا غلام بني عبد المطّلب، قلت: من هذا الذي يتبعه، يرميه؟ قالوا: هذا عمه عبد العزّى، وهو أبو لهب، فلما ظهر الإسلام، وقدم المدينة أقبلنا في ركبٍ من الرَّبَذَة،