للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم تُطلق البيعة عَلَى المبايعة، والطاعة، وهو المراد هنا.

قَالَ فِي "الفتح": المبايعة: عبارة عن المعاهدة، سُمّيت بذلك تشبيها لها بالمعاوضة الماليّة، كما فِي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية [التوبة: ١١١] انتهى (١).

وَقَالَ فِي "النهاية": ما معناه: المبايعة عَلَى الإِسلام: عبارة عن المعاقدة عليه، والمعاهدة، كأن كلّ واحد منهما باع ما عنده منْ صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه، وطاعته، ودَخِيلةَ أمره. انتهى (٢).

وَقَالَ القاضي عياض رحمه الله تعالى: ما حاصله: اختُلف فِي اشتقاق البيعة، فقيل: أصله منْ البيع؛ لأن المتبايعين يمُدّ كلّ واحد منهما يده إلى صاحبه، ولما كان الأمراء عند التوثيق بمن يأخذون عليه العهد، يأخذون بيده، شُبّه بذلك، فسُمّيت مبايعة. وقيل: بل كانوا يضربون بأيدي بعضهم عَلَى بعض عند التبايع، ولهذا سمّيت صفقةً؛ لصفق الأيدي عندها، فسُمّيت بها. وقيل: بل سُمّيت مبايعة؛ لما فيها منْ المعاوضة، تشبيهًا بالبيع أيضاً؛ لما وعدهم الله منْ الجزاء، والثواب عَلَى الإِسلام، وطاعة الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم، قَالَ الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية [التوبة: ١١١] انتهى كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى (٣).

وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: البيعة مأخوذة منْ البيع، وذلك أن المبايع للإمام يلتزم أن يقيه بنفسه وماله، فكأنه قد بذل نفسه، وماله لله تعالى، وقد وعده الله تعالى عَلَى ذلك بالجنّة، فكأنه قد حصلت له المعاوضة، فصدق عَلَى ذلك اسم البيع، والمبايعة، والشراء، كما قَالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} إلى أن قَالَ: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة: ١١١]. وعلى نحو منْ هذا قَالَ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم لصهيب: "ربِحَ البيع أبا يحيى" (٤). وكانت قريش تبعته لتردّه عن هجرته، فبذل لهم ماله فِي تخليص نفسه ابتغاء ثواب الله تعالى، فسمّاه النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم بيعًا، وهذا أحسن ما قيل فِي المبايعة.

ثم هي واجبة عَلَى كلّ مسلم؛ لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: "منْ مات وليس


(١) "فتح" ١/ ٩٢ "كتاب الإيمان" حديث: ١٨.
(٢) "النهاية" ١/ ١٧٤.
(٣) "إكمال المعلم" ٦/ ٢٤٧ - ٢٤٨.
(٤) رواه الحاكم فِي "المستدرك" ٣/ ٣٩٨ وَقَالَ: صحيح عَلَى شرط مسلم، وأقرّه الذهبيّ.